لدينا عشر عالمات، قُلْ عشرين، ولدينا مائة كاتبة، قُلْ مائتين، ولدينا ألف أكاديمية، قُلْ ألفين، ولدينا عشرة آلاف طبيبة، قُلْ عشرين ألفاً، ولدينا خمسون ألف مبتعثة، قُلْ مائة ألف..
البقية من السعوديات اللاتي يقدر الحد الأدنى من عددهن بعشرة ملايين امرأة, كيف يعشن؟ وماذا يقرأن؟ ماذا يشاهدن؟ كيف يقضين يومهن؟ وكيف تتشكل ثقافتهن؟ ومَنْ يشكلها؟ وما الأيديولوجيات التي تبث ضمناً وتصبح مكوناً ثقافياً من الصعب تفكيكه؟..
قالت لي إحدى الصديقات: ادخلي موقع حواء ستجدين السعوديات هناك يقضين أوقاتهن في التشاور عبر المنتدى، يتحدثن عن مشاكلهن المحزنة (العنوسة أو أهل الزوج أو مع خلطات التبييض وسواد الركب ولهومات النفاس وما بعد النفاس والريجيم بعد وصفات أطباق الحلا! وما يفضله الرجل وما يجذبه وما يسعده!..).
بينما يقضي الرجال أوقاتهم الجميلة يشاهدون إليسا وأخواتها عبر شاشات جدارية بعرض مائة بوصة أو تزيد في استراحات معزولة عن النساء والأطفال، في الوقت الذي تقبل فيه المرأة أن تتبادل نصائح كسب رضا الزوج مع أخوات لها من مشاهدات قناة بداية وغيرها من القنوات التي تعمل بدأب واجتهاد واحتساب لإبقاء المرأة على ما هي عليه؛ لتظل حبيسة الثقافة التي تجعل منها أداة للتكاثر فقط مهمتها المقدسة هي إسعاد الرجل من منطلق أن طاعة الزوج من موجبات الجنان!
هذه الثقافة هي استثمار فضائي يتخم الجيوب ويجلب القصور والسيارات الفارهة والزوجات الأربع من مختلف الجنسيات لتحسين السلالة وتعافيها!
لا يوجد بدائل تغامر في تفكيك هذه الثقافة التي تستكين لها النساء مع ما فيها من ألم وجراح واستهلاكية تجعل المرأة مفتونة بالمظاهر، تفرغ جيبها وجيب الرجل (ضريبة يدفعها بطواعية ليشغل المرأة بالتوافه ويبعدها عن التفكير باستقلالية) على تنفيخ الشفاه وكوشة الزفاف وكوشة النفاس أيضاً، تبدد جهد النساء على السمج والمبتذل، وتحول كثيراً منهن إلى دمى يحركها المتربحون,
والمستفيدون؛ ففي الوقت الذي يرفض فيه بعض الرجال ذكر أسماء زوجاتهم حتى في المستشفى نجده ولأجل سعادته يسمح لها بأن تستسلم لأنامل رجل يجري لها عمليات تجميل في مناطق حساسة, أليست دمية مهمتها في الحياة إسعاده!؟
من حق المرأة أن تبحث عن الجمال والصحة، لكن يكون ذلك بقرارها هي، كما أن من حقها أن تقرر كل ما يخصها؛ فهي مخلوق مستقل مكلف، مسؤول، بل إنها جالبة البنت والولد، مبقية الجنس البشري، حاملتهم في أحشائها، ائتمنها الله على حياة أرواح في جوفها، أفلا نأتمنها على حياتها وقد ائتمناها على غيرها؟؟
لا تفكر المرأة بقيمتها كفرد، كإنسان؛ لأن الخطاب الذي دجنت عليه المرأة يظهر أنها بلا هوية وبلا عقل حين تكون بلا رجل.
بينما يكتسب الرجل هويته بمجرد كونه خلق ذكراً، (يذكر جاك لا كان أن الهوية تتكون عبر اللغة فحين يقول الطفل أنا فهو يحدد هويته بمعزل عن الآخر).
لا تفكر المرأة بهويتها؛ لأنها أنصتت - وما زالت تنصت - إلى خطاب تخويفي وترهيبي ينفي عنها صفة العقل وقيمة الإدراك، فأدبياتنا في المدارس والمساجد والخطابة المنبرية والدروس والكتب ما زالت تحوي عبارات تلقن الوعي المجتمعي بما فيه وعي المرأة ذاتها بأن كل امرأة لا بد من الأخذ على يدها وحمايتها من نفسها الأمارة بالسوء؛ لذا المرأة قبل اقترانها برجل هي إنسان ناقص الأهلية وحمايتها من نفسها واجبة على الذكور حتى لو كان شقيقها الصغير الذي أصدر بطاقته للتو أو حين تكون أرملة يكون ابنها الذي رعته بمال تعبها وكدها هو المعرف لها, لا يحق لها أن تجدِّد جواز سفرها إلا بحضوره, على الرغم من وجود بطاقتها الشخصية! التي لم تحل مشكلة المرأة مع هويتها؛ فالبطاقة الشخصية لا تمنح المرأة صفة الأهلية مثلما تمنحها للرجل حال صدورها له، إذن لماذا تصدرها النساء ويقفن في طوابير طويلة من أجلها؟؟
أغلب النساء يفتقدن لهوياتهن؛ لذا من الطبيعي ألا يتساءلن عما أكسبتهن إياه البطاقة الشخصية!!
fatemh2007@hotmail.com