إذا كنا مقتنعين بمتانة الاقتصاد السعودي، وبملاءة الدولة، وبتصدر سوق المال السعودية جميع الأسواق في المنطقة، فيجب أن نقرن ذلك الاعتقاد بالأعمال المميزة على أرض الواقع. متانة الاقتصاد تعني توسعاً في قطاعات الإنتاج، تنويعاً لمصادر الدخل، وخلق مزيد من الوظائف، وزيادة في دخل الفرد، وحياة أفضل وخدمات أرقى للمجتمع. قد تقف الفكرة، في بعض الأحيان، عائقاً عن تحقيق الكثير من الأهداف المتاحة، وربما الهمة والإقدام، أو لعلها البيروقراطية القاتلة.
جمع الأموال، وتعظيم دخل الهيئات والشركات الحكومية قد لا تعني شيئاً إذا لم يُعاد استثمارها في المجتمع، تحقيقاً لمنفعة الهيئة أو الشركة، وتطبيقاً لفلسفة التنمية الشاملة. بعض الهيئات الحكومية لا يمكن أن تدعي مقدرتها الفائقة في تعظيم الدخل، كونها هيئات ضامنة الدخل، يأتيها رزقها رغداً بأمر النظام، وهذا ليس عيباً فالضرائب، والرسوم هي المصدر الرئيس لكثير من الدول الغربية، إلا أنها تسطيع من خلالها بناء قطاعات الإنتلاج والخدمات ودفع المعونات، وتنمية المجتمع. أي أن أموال الضرائب تتحول إلى أموال يعاد استثمارها في المجتمع بطريقة صحيحة، وتحقق التنمية المستدامة للجميع، وفي مقدمهم الهيئة أو المؤسسة المسؤولة عن جمع تلك الأموال.
كثيرة هي أموال الرسوم، والضرائب المعطلة التي تستفيد منها المصارف السعودية، أو تعاد إلى خزينة الدولة دون أن تحقق عائداً مباشراً، وعاجلاً للمجتمع. بعض الهيئات الحكومية لديها من العقود المالية الضخمة الكثير، إلا أنها تقف عاجزة عن تطوير نفسها، أو استثمار جزء من تلك الأموال في بناء مرافقها الأساسية، أو توفير رواتب منتسبيها، أو مستلزماتهم الأساسية، عوضاً عن المساهمة في خدمة المجتمع. هناك قصور لا يمكن القبول به، بل لا يمكن القبول بالتبريرات الواهية، فالإدارة تعني القدرة على إتخاذ القرار ومن لم يستطع ذلك فالأفضل له التنازل عن إدارته لمن يضمن خدمتها على الوجه الأكمل.
توقيع الدكتور فهد المبارك، رئيس مجلس إدارة شركة السوق المالية السعودية «تداول»، عقداً لتصميم المبنى الجديد لتداول بمركز الملك عبدالله المالي مع شركة «نايكين سيتي» اليابانية، يمكن أن يحقق المنفعة من أموال «تداول» المجمدة، للشركة وللمجتمع. المبنى الجديد، وفقاً للدكتور المبارك، سيكلف الشركة مليار ريال، ومتوقع الانتهاء منه خلال 43 شهراً. برج «تداول» سيكون إضافة نوعية، وواجهة حضارية للسوق السعودية الأكبر على مستوى المنطقة، وسيعكس الصورة الحقيقية التي يجب أن تكون عليها مقار الهيئات، والمؤسسات الحكومية. شركة تداول شركة مملوكة للدولة، إلا أن مجلس إدارتها يمتلك الاستقلالية التي تعينه على اتخاذ القرارات بما يكفل تحقيق المصلحة للوطن، السوق، والبيئة المحيطة. لا أعتقد أن يقتصر المبنى الضخم على شركة «تداول» بل أعتقد أن يؤسس المبنى على فكر استثماري صرف، مع الأخذ في الاعتبار استقطاع الجزء المهم منه ليكون واجهة حضارية ومقراً رسمياً لشركة «تداول».
تُرى كم من الهيئات، والمؤسسات الحكومية ذات الدخل المستقل قادرة على إنجاز ما قامت به شركة «تداول»؟. أجزم بأن كل شركة وهيئة حكومية تتمتع بدخل مستقل، وبموارد ضخمة قادرة على تحقيق ذلك بسهولة، وقادرة أيضاً على وقف سيل التقارير الإعلامية السلبية عن مستوى المرافق الحكومية البائسة. المحطات الفضائية أصبحت تنقل مشاهد مؤلمة عن مرافق هيئات ومؤسسات حكومية لا يمكن أن نقبل بانتسابها لواحدة من أغنى الدول النفطية في العالم. الحكومة لا تدخر جهداً ولا مالاً في سبيل التنمية وبناء المرافق والمقار الرئيسة، إلا أن الدور الأهم في منظومة البناء والتطوير يبقى مرتهناً بالإدارات القابعة على أجهزة تلك الهيئات والمؤسسات الحكومية.
أعلم أن هناك فارقاً كبيراً بين شركة مملوكة للدولة، يُزمع طرحها قريباً للاكتتاب العام، وبين الهيئات والمؤسسات الحكومية الأخرى، إلا أن الأنظمة والقوانين يمكن في كثير من الأحيان تغييرها، أو تطويعها لخدمة الأهداف السامية، التنموية منها على وجه الخصوص، لذا أعتقد أن المسؤولية تقع على عاتق الإدارات التي تقبل بتمرير أموالها لوزارة المالية لتذوب بين مئات المليارات الأخرى، أو أن تسيء استخدام الجزء الأكبر منها، في الوقت الذي تكون فيه بحاجة ماسة لجزء يسير من تلك الأموال المحولة، أو المُهدرة لتنفيذ عمليات البناء، التطوير، والصرف على منتسبيها. لن أسمي الهيئات والمؤسسات الحكومية المحتاجة إلى التغيير الإداري قبل حاجتها الماسة لاستثمار جزء من دخلها لمصلحة الوطن، على أساس أن «أهل مكة أدرى بشعابها» وأهل مكة هنا هم إدارات تلك المؤسسات والهيئات، والحكومية المشرفة على الأداء والمسؤولة عن تقييم النتائج التي لم تعد تتوافق مع التطلعات، الأمنيات، وسمعة الوطن.
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM