Al Jazirah NewsPaper Saturday  06/02/2010 G Issue 13645
السبت 22 صفر 1431   العدد  13645
 
الرياض: أحياء سكنية ماتت.. وأخرى تحتضر!
معماري - صلاح الدين بن علي الحمود*

 

إن حالة الأحياء السكنية في أي مدينة.. هي عنوانها وهويتها الحضارية.. كما أنها تعكس مظهر المدينة العمراني، لكونها تغطي الجزء الأكبر من مساحتها، لذلك ومن خلال معرفتي بوضع عدد من الأحياء السكنية في مدينة الرياض ومراجعتي (لأطلس استعمالات الأراضي لمدينة الرياض) الذي أصدرته الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض عام 1427هـ، فقد اتضح لي أن الفوضى قد استشرت في عدد من هذه الأحياء السكنية، وأعني بالفوضى هنا التغيُّر العشوائي الحاصل في اختلاط الاستعمالات.. خلافاً لما هو مخطط لها.. أو مسموح نظاماً.. فقد تمَّ التغاضي عن تغيير استعمال بعض المساكن من قِبل ملاّكها أو مستأجريها إلى استخدامات سلبية على البيئة السكنية بشكل عام.. والعائلية بشكل خاص مثل: الاستعمالات المكتبية أو المستودعات أو سكن العزاب أو الورش.. مما أدى ذلك التغيير إلى خلق بيئة غير مريحة للسكان خصوصاً العوائل منهم بسبب الإزعاج وعدم الشعور بالسلامة والأمان وانعدام الخصوصية الناتج من ازدحام الحي بحركة السيارات الخاصة بموظفي وزوار المؤسسات والسكان العزاب من مواطنين وعمال، بالإضافة إلى انبعاث روائح وأصوات من جراء استخدام بعض المنازل كمطابخ مركزية أو ورش أو مستودعات، مما أدى إلى هجرة بعض هؤلاء السكان (القادرين مادياً) من هذه الأحياء، وقد بدأ هذا التغيير في أحياء وسط المدينة قبل عدة عقود مثل حي الديرة والمرقب والوشم والشميسي.. وانتقل هذا الداء إلى الأحياء ذات التخطيط الشبكي الحديث (أحياء الفلل) مثل أحياء العمل والمربع والملز والزهراء والضباط والسليمانية.. بل وأحياء جديدة كما ذُكر في إحدى الصحف مؤخراً من تلقي المجلس البلدي عدداً كبيراً من الشكاوى حول انتشار سكن العمالة داخل الأحياء. ولا يظن بأن تأثير هذا التغيير يكون شكلياً على مظهر الحي ومستواه الاجتماعي فحسب.. وإنما ساهم فعلياً في خلق بيئة مناسبة للنشاطات غير النظامية.. بل الإجرامية مثل مصانع الخمور وبيوت الدعارة وأماكن لاختباء المجرمين وغير النظاميين، وربما حصول حرائق من جراء استخدام بعض هذه المنازل كمستودعات لمواد قابلة للاشتعال، كما أن القيمة المالية للعقارات السكنية بيعاً أو إيجاراً إذا ما أُريد استخدامها كمساكن قد انخفضت كثيراً بسبب ذلك التغيير. ولا يصعب على أحد التوصل إلى الأسباب التي أدت إلى حصول هذه المشكلة ألا وهي عدم وجود جهة حكومية محددة ومعروفة من قبل سكان الحي أيضاً معنية بمراقبة تطبيق مخطط استعمالات الأراضي لكل حي على أرض الواقع وبشكل دوري ومعاقبة المخالفين، وأعتقد بأن البلدية الفرعية لكل حي هي الأنسب لإدارة هذه المهمة، ولكن البلدية تفيد بأن الإمارة هي الجهة التي توجه لها الشكاوى وشرطة الحي من ينفذ، كما أن انعدام الاهتمام من قبل سكان الحي بالرقابة التي كان يقومون بها سابقاً بشكل تلقائي والتي هي مكملة لدور الجهات الحكومية والتي كان لها الدور المهم في الحفاظ على بيئة الحي قد تلاشت بسبب ضعف الترابط الاجتماعي بين سكان الحي من جراء التخلخل في التركيبة السكانية فيه جراء فصل المساكن عن بعضها البعض باستعمالات غير سكنية.. وبالتالي انفصال السكان عن بعضهم البعض اجتماعياً. وقد أسعدني قبل عدة سنوات السماع بأن أمانة.. أو إمارة منطقة الرياض قامت بتوزيع إشعارات (إنذارات) إلى أصحاب المؤسسات والنشاطات غير السكنية التي تشغل المباني السكنية في بعض الأحياء السكنية تفيد بضرورة إخلاء المسكن، وتم إعطاؤهم مهلة لمدة ثلاث سنوات على ما أظن لتنفيذ ذلك الإنذار، وبالفعل بدأ أصحاب المكاتب وغيرهم من الاستعمالات غير النظامية حين اقترب موعد انتهاء المهلة بإزالة لوحاتهم الإعلانية الخارجية لإخفاء نوع النشاط المزاول داخل المسكن، وربما بالفعل أخلى بعضهم المساكن التي كانوا يقطنون فيها، ولكن وبعد انتهاء المدة المخصصة للإخلاء لم تقم الأمانة.. أو الإمارة بمتابعة الموضوع على أرض الواقع.. مما أدى بأصحاب هذه النشاطات إلى البقاء.. بل وإعادة تركيب لوحات مؤسساتهم الإعلانية الخارجية بعد أن علموا بأن القرار ليس إلا (حبراً على ورق)، بل إن بعض أصحاب هذه المؤسسات قاموا بهدم وإعادة بناء هذه المساكن كمبانٍ مكتبية صريحة، ويتضح ذلك جلياً من خلال تصميم الواجهات والتوزيع الداخلي لها. لذا.. فإنني أعتقد بأنه إن لم تقم الأمانة.. أو الإمارة بإيقاف هذه التصرفات (مباشرة) وإخراج جميع هذه النشاطات من داخل الأحياء السكنية.. وإعادة توفير الخدمات العامة المطلوبة للسكان في الأحياء التي تعرضت لهذا المشكلة مثل المدارس وغيرها، وذلك لإعادة جذب السكان إليها مرة أخرى، فإن الداء سوف ينتشر إلى جميع أحياء المدينة.. وسيصبح ظاهرة فيها.. مما سيترتب على ذلك ليست فقط أموراً شكلية كما أسلفت.. وإنما سيؤثر على سلامة وأمن وراحة سكان الحي.. بل على سكان المدينة بأكملها. وللعلم فإن مدينة الرياض بحاجة إلى متوسط (ثلاثين ألف وحدة سكنية) سنوياً حتى عام 1445هـ لاستيعاب الطلب المتوقع من المساكن، وذلك حسب دراسة قامت بها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض مؤخراً، وبالتالي فإن تغيير استخدام المباني السكنية القائمة إلى مستودعات ومكاتب وورش وغير ذلك من الاستعمالات غير المناسبة داخل الأحياء السكنية سيزيد الحاجة إلى وحدات سكنية أكثر سنوياً.. والتي قد يكون من الصعب توفيرها.

والغريب في الأمر أن الأحياء السكنية في دول الغرب كلما تقدمت في العمر زادت مساكنها قيمة مادية وتميز سكانها اجتماعياً، أما أحياؤنا فالعكس هو الصحيح..!

لذا فإن أمانة منطقة الرياض والتي تقوم بمجهودات مميزة حالياً داخل الأحياء السكنية من خلال تحسين ممرات المشاة والحدائق ومواقف السيارات.. مطالبة بالمبادرة أيضاً إلى حل هذه المشكلة بتقييم وضع الأحياء من حيث حالتها البيئية بشكل عام وتقويمها بعد ذلك.. بالتعاون مع الجهات الحكومية الأخرى، كما أرى ضرورة إكمال تأسيس مجالس الأحياء لجميع أحياء المدينة وتفعيل دورها، والتي -بإذن الله- سيكون لها الفضل في حل مشكلات الأحياء بشكل عام.. وهذه المشكلة بشكل خاص.. وتلافي حصولها في الأحياء الجديدة.. حرصاً على خلق بيئة سكنية مطمئنة في كل حي.



alhumoud@arriyadh.net

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد