تجدد الاتهامات الموجهة إلى طهران حول دعم المتمردين في اليمن، ما هو إلا حلقة من حلقات تفاقم مخاطر إيران، ومساعيها الرامية إلى مد نفوذها في البلاد العربية، وزعزعة استقرارها عبر تدخلها في شؤون المنطقة وأقلياتها.
وهو ما وصفه - الأمير - سعود الفيصل، بأن ادعاءات «أحمدي نجاد» تطابق المثل العربي القائل: «كاد المريب أن يقول خذوني». فالاتهام الحقيقي، هو: أن إيران تتدخل في الشؤون الداخلية لليمن، وهو أمر لا يغطي عليه رمي التهمة على الآخرين.
فالمشروع الإيراني ليس جديدا في المنطقة، - لاسيما - بعد مرور العقود الثلاثة الأخيرة، أي: منذ نجاح الثورة الإسلامية في اقتلاع «الشاه»، في عام 1979م، وقد بدأت تؤتي أكلها في الآونة الأخيرة. فإيران تريد حسم الصراعات الداخلية عبر تصدير الثورة، ونشر التشيع في العالم العربي، والولاء لزعيم الثورة الإيرانية على حساب الولاءات الوطنية. تارة عبر وسائل إعلامها، وتارة عن طريق مبعوثيها وسفرائها.
ولا يشك عاقل، بأن النزاع مع المتردين في اليمن اندلع بأجندة خارجية من أجل خلط الأوراق، وإعطاء هذه الحرب بعدا دوليا وإقليميا في سياق تنفيذ المصالح والأجندة الخارجية. - خاصة - بعدما كشفت السلطات اليمنية عن تورط إيراني في دعم المتمردين سياسيا، وتزويدهم بالسلاح والمال، وإشراف أجهزة الأمن الإيرانية على عمليات تدريب مقاتلي جماعة الشباب المؤمن. إضافة إلى دعم تنظيم القاعدة والجنوب لتبني خيار الانفصال، وإضعاف الحكومة اليمنية. وهو ما يؤكده «عبد الله المحدون» - القائد الميداني السابق للمتمردين بمنطقة بني معاذ اليمنية -، من أن: «زعيم التمرد عبد الملك الحوثي يحارب لاستعادة حضارة فارس، بدعم إيراني غير محدود».
تورط السياسة الإيرانية في التدخل في شؤون اليمن، وتمويلها للمتمردين للقيام بأعمال تخريبية، جعل - وزير الخارجية الإيراني - «منو شهر متكي» يحذر دول المنطقة من أي تدخل في اليمن، ويهدد «بأن الذين يصبون الزيت على النار، عليهم أن يعلموا أن الدخان الذي سيتصاعد من هذه النيران لن يوفرهم». مما يؤكد أن إيران طرف رئيس في القضية، وأن أي تدخل لأي دولة عربية في اليمن قد يجلب لها العديد من المشاكل.
إن تدخل إيران في الحرب الدائرة في اليمن، يشكل قلقا واضحا فيما يتعلق بمستقبل الاستقرار في اليمن، وفي سائر دول المنطقة. وينقل - الأستاذ - عادل أمين، أن بعض المصادر الصحفية الخليجية تذهب في تفسير التدخل الإيراني في اليمن والمنطقة، على أنه جزء من برنامج تنفذه إيران، لتسويق نفسها على أنها حامية الطوائف الشيعية حول العالم. وتضيف: بأن هذه التوجهات السياسية الإيرانية، جزء من مخطط اللعبة الكبيرة بين الولايات المتحدة وإيران، فيما بات لعبة شد وجذب بينهما. وأن هدف إيران من دعمها للمتمردين في صعدة، يتمثل بالزج بالمملكة إلى التدخل في اللعبة، لا لهدف ضرب المملكة مباشرة، وإنما لجر الولايات المتحدة نحو طاولة مفاوضات أخرى، - لاسيما - مع وجود علاقات قوية تربط المملكة بالولايات المتحدة. وترى تلك المصادر: أنه من الظلم الزج باليمن وأهله في صراع لا يعنيهم، مؤكدة: أن مسألة المتمردين أضحت إحدى المشاكل العالقة في المنطقة، وعلى صعيدها الإقليمي لا اليمني. وتذهب المخاوف الخليجية إلى التحذير من عبث إيران باليمن، كونه يعد العمق الاستراتيجي للسعودية ولدول الخليج، التي تسعى إيران بجد واجتهاد لمحاصرتها من كل الجهات.
وتبرز قضية أخرى مهمة، وهي: أن استمرار الصراع مع المتمردين دون حسم، قد يغري بتوسعهم على البحر الأحمر، وهو ما قد يمهد الطريق لتسلل إيراني لمدهم بالإمدادات اللوجستية، وكذلك إيجاد موطئ قدم لإيران على ساحل البحر الأحمر، وهذه قضية إستراتيجية خطيرة قد تسبب إرباكات جديدة في المنطقة.
إن على إيران، أن تدرك أن النظام العالمي ليس في مصلحة الأهداف الإيرانية. وأن هذا الاستفزاز قد بدا واضحا في التدخلات الإيرانية المباشرة وغير المباشرة في البلاد العربية، هدفه تحقيق هيمنة سياسية لإيران على دول المنطقة. وفي المقابل، فإن سياسات دول الخليج العربي قائمة على احترام علاقات الجوار، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، واعتماد الحوار أساسا لحل أية مشكلات. وهي تتفادى بحكمة قادتها الانزلاق نحو نتائج لا تحمد عقباها عن طريق احتواء إيران، وإعادة دمجها في المجتمع الدولي. فهل تعي إيران ذلك؟.
drsasq@gmail.com