حياة المرء منذ الصغر وحتى يقف عن العطاء، إنما هي رحلة يمر بها في فتوة جامحة، فشباب متدفق، فكهولة متأنية، فشيخوخة ذات تجربة، يجتاز منها المرء في متضادات الحياة، مغانٍ جميلة، وأحراش نكدة، فسهول منبسطة، وجبال وعرة، ومن خلال هذه المتضادات، يكون التحصيل والعطاء، أكرم ما فيها بعد تقوى الله، علم ينتفع به، مشعلها الدعوة إلى الله، ولذتها الصبر على أقدار الله، ومتعتها ما يقدمه المرء من عمل يقربه إلى الله (أقربكم إلى الله أنفعكم لخلقه) أو كما ورد ومهما يكن فلن تخرج الحياة عن {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} ومن أحسن القصد متخذاً له السبب، فلن يعدم الأجر بفضل الله، وتوفيق من الله، وشاء سبحانه أن أعمل في مرحلة الشباب قاضياً للأحداث ثم المحكمة المستعجلة (المحكمة الجزئية)، ثم المحكمة الكبرى (العامة9 في مدينة الرياض المحروسة ثم رئيساً لمحاكم منطقة جازان العامرة من 20-7-1420هـ وحتى صدر الأمر السامي الكريم في 3-3-1430هـ القاضي بتعييني عضواً متفرغاً في المجلس الأعلى للقضاء أمضيت المرحلة الجازانية من العمر بما يقارب عشر سنوات، أرجو أن يكون ما عملت شاهداً لي لا شاهداً عليّ تعرفت على زملاء وعلى علية القوم في منطقة جازان أرغب فيها وأحبها لا أسأمها ولا أملها ولا أختار غيرها متحولاً ولا انتقالاً ولا ضعنا ولا رحلة ولا بديلاً.
|
فحلت سويدا القلب لا أنا باغياً |
سواها ولا عن حبها أتحول |
أجمل ما فيها أن كل شيء فيها جميل بحرها وسهلها وجبلها عشت فيها حياة جميلة ذكراها جميل وليت ذاك الزمان يعود.
|
فلا عائد ذاك الزمان الذي مضى |
تباركت ما تقدر يكن فلك الأمر |
الرجل الجازاني والمرأة الجازانية ذا هم بعيد. وبأس شديد. ومزاد جديد يريد عيشاً آنياً وحرماً آمناً.
|
عندهم المطعمات في الحل الذرة والدخن. عندهم الأرض الرخية والقرى المتواصلة المتقاربة بعضها من بعض مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها بحيث إن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل زاد ولا ماء بل حيث نزل وجد ماء وثمرا يقيل في قرية ويبيت في أخرى في عيش رغيد زهيد مع توفر ما يشتهون من المآكل والمشارب والملابس. في كل يوم يولد عندهم عظيم.
|
تذكر حب ليلى لات حينا |
وأضحى الشيب قد قطع القرينا |
جازان في أوديتها وشعابها وجبالها سدر مخضود لا شوك له وفي أرضها الزراعية الخصبة طلع منضود من الفواكه والخضروات.
|
نأت بسعاد عنك نوى شطون |
فبانت والفؤاد بها رهين |
جازان كم هي جميلة في أرضها وجداولها وأعينها الجارية وسمائها الصافية حيناً والممطرة أحياناً.
|
فألقت قناعا دونه الشمس واتقت |
بأحسن موصولين كف ومعصم |
كلما تذكرت أهلي في جازان ذكرت مكارم الأخلاق. ذكرت الوفاء ذكرت الجد والمجد.
|
تغلغل حب عتمة في فؤادي |
فباديه مع الخافي يسير |
سألني أحد المسؤولين أتحب جازان؟ قلت: نعم أحب فيها كل شيء.
|
ألا حبذا هند وأرض بها هند |
وهند أتى من دونها النأي والبعد |
ثم عقبت بقولي: الشكر والثناء على المحسن بما أولاكه من المعروف قال: وما المعروف؟ قلت: حفظ الود لأهله.
|
من لا يزال دمعه مقنّعا |
فإنه لا بد مرة مدقوق |
أهل جازان أعطوا خصالاً ستاً:
|
الأولى: حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم.
|
والثانية: العمل على المنهج الصحيح منهج أهل السنة والجماعة.
|
والثالثة: صفاء العقيدة لله وصفاء الولاء لولي الأمر.
|
|
والخامسة: العزة والأنفة في النفس الجازانية فالرجل والمرأة يرى كل شيء صغيراً بجانب عزة نفسه وعلو مكانته وهمته.
|
والسادسة: حب العمل وحب المساهمة بالمال والنفس من أجل جازان. يتغنى كل واحد منهم.
|
ضمنت برزق عيالنا أرماحنا |
بين المراجل والصريح الأجرد |
قال: أنت شوقتني إلى جازان قلت: وفيهم التواضع يدعو الواحد منهم بدعاء ألفته يردد:
|
اللهم اجعلني عندك من أرفع خلقك واجعلني في نفسي من أوضع خلقك وعند الناس من أوسط خلقك اللهم لا تمتني حتى تقر عيني بجازان ومستقبل جازان الواعد.
|
عشت في جازان عشر سنوات عرفت أن القوم في جازان أشد حفاظاً على ضروراتهم الخمس بل إن الغريب في القرى يسأل عن اسمه وعن حاجته ومن أين أتى وإلى أين يذهب فإن كان ضيفاً حل على أقرب بيت يليه عادات سامية وتربية أسمى. أحببت جازان قوماً وموطنا.
|
ولقد ذكرتك والرماح شواجر |
فينا وبيض الهند تقطر من دمي |
كنت أقول في نفسي متى أزور جازان وألتقي بأهلي وأحبابي وفي أي مناسبة تكون. شاءت إرادة الله أن جاء موعد لقائي بجازان وأهلها ففي يوم الاثنين الحادي عشر من الشهر المحرم لعام إحدى وثلاثين وأربعمائة بعد الألف شرفت بمرافقة صاحب الفضيلة والمعالي خطيب العلماء وعالم الخطباء الشيخ الدكتور الصالح: صالح بن الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد رافقته في رحلته التفقدية إلى جازان ولعل لاختيار يوم الاثنين مراداً في نفسه، يوم ترفع فيه الأعمال إلى الله. وبعد الفطر من صيام الحادي العشر الذي يعقب صيام العاشر من الشهر المحرم فاجتمع في هذا اليوم أربع مزاياً: فضل هذا اليوم وبعد الفطر من صيامه وأحرى بإجابة الدعوة وزيارة جازان. كان موعد اللقاء في الصالة الملكية في مطار الملك خالد، اجتمعنا وعند وصول معاليه إلى الطائرة الخاصة اتجهنا إلى الطائرة وركبنا بعد صلاة المغرب العشاء جمعا وقصرا وعند الساعة السادسة والنصف استأذن قائد الطائرة في الإقلاع وأخذ كل منا يردد دعاء السفر وكنت أزيد بلا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم اجعلها رحلة أمن وإيمان وسلامة وإسلام وتوفيق لما يحبه ربي ويرضاه اللهم اجعلها رحلة خير ورشد ربي ورب هذه الرحلة هو الله ثم أقلعنا الساعة السادسة والنصف وأخبرنا أحد مسؤولي الطائرة أننا على ارتفاع كذا وسرعة كذا ?أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ? وعندما استوت الطائرة وكأنها على سطح الجودي تعلونا زرقة السماء وأسفل منا ظلمة تحتها ظلمة لم نكد نرى شيئاً أعلن قائد الطائرة حل الأحزمة وأذن لنا بالحركة كنت ملتزم الصمت رحلة إلى جازان ومع شيخنا الذي لم أسافر معه قط وهذه أول رحلة أكون معه فيها والتفت إلي وقال: كم لبثت في جازان قلت: عشر سنوات سمان قدمن لي الشيء الكثير والكثير ولكنكم تأتون قوماً من أهل البيان واللغة والعلم الشرعي إن أفتى عالمهم وجدته موافقاً لقول السلف وإن خطب خطيبهم أدركت معنى الخطابة واللغة صدقاً وحقاً وإن ألقى شاعرهم قصيدته قلت: وهذا منتدى عكاظ. أما مكارمهم في الأخلاق والعادات فحدث ولا إثم وليس هذا مقام البسط عن هؤلاء القوم فذلك محله كتابي وتحت التنقيح (جازان مخلاف الحضارة والإنسان) ثم سكت والتفت إلى معالي أمين المجلس الشيخ الفاضل والدينمو العامل الحاذق الصادق الموفق الفطن الشيخ عبدالله بن محمد اليحيى وأخذ معه في حديث شامل عن الطموحات والتطلعات التي يسعى إليها المجلس كنت أجهل هذا الرجل معالي الشيخ صالح لا أجهل علمه وكونه علم ولكن كنت أجهل أريحيته وهل هو في السفر كالحضر محب للنكتة ميسر لا معسر حقاً وجدته كما عهدته في الحضر.
|
فتى لو يباري الشمس ألقت قناعها |
أو القمر الساري لألقى المقالدا |
روي عن علي رضي الله عنه: (لا تبدأ لأن تشتهر ولا ترفع شخصك لتذكر وتعلم واكتم واصمت تسلم تسر الأبرار وتغيض الفجار). لا يحب الشهرة يصدق عليه قول إبراهيم بن أدهم رحمه الله: (ما صدق الله من أحب الشهرة اسمه صالح). وقوله: صالح وعمله صالح. أثنيت عليه وكأني به يردد:
|
أستغفر الله ذنبا لست محصيه |
رب العباد إليه الوجه والعمل |
استمرت الرحلة وأعلن قائد الطائرة أننا على مقربة من مطار الملك عبدالله بجازان فنظرت مع النافذة وإذا بجازان وقراها وكأن السماء أسفل منا منظر عجيب بديع أشبه ما يكون بكرسي سليمان عليه السلام.
|
جميلة أنتي يا جازان تشبه في منظرها كشمس آخر ليلة.
|
والشمس تطلع كل آخر ليلة |
حمراء يصبح لونها يتورد |
مصابيح تضيء الأرض ورجال رجوم للشياطين بل هي أجمل وأحلى.
|
وأما إذا كان الجمال موقرا |
كحسنك لم يحتج إلى أن يزورا |
هبطت الطائرة ومن النافذة رأيت جمعاً غفيراً من العلماء والأدباء والشعراء والوجهاء يتقدمهم سعادة وكيل الإمارة الأستاذ الدكتور عبدالله السويد. فتح لنا الباب ونزلنا الواحد تلو الآخر وإذا بقوم بيض الوجوه شم الأنوف يعلوهم كل شيء من الإجلال والإكبار مؤملون كل خير مزحزحون عن كل شر الرجل منهم لا يرجع عن الوعد ويرجع عن الإيعاد.
|
فإني وإن أوعدته أو وعدته |
لمخلف إيعادي ومنجز موعدي |
رأى رجل من أهل الصلاح رؤيا أنه رأى رجلاً يبذر بذراً فيستحصد فإذا حنطه طيبه قال هذا رجل قبل الله صالح عمله وأزكاه له وهؤلاء القوم عالمون بالله عالمون بأمر الله يخشون الله ويعلمون حدوده وفرائضه آمنت قلوبهم وسرائرهم وانقادت جوارحهم وبواطنهم وظواهرهم نعم القوم خيار في الجاهلية وخيار في الإسلام فما يستحيله العقل ويحكم عليه بالبطلان ويغلب على الظنون كذبه فليس من شيمهم ومجالسهم.
|
فإن يك حبهم رشدا أحبه |
ولست بمخطئ أن كان غيا |
سلمنا على الجميع ووجدنا الترحيب وقد اعتادته أذني (مرحباً ألوف) ثم اتجهنا إلى محل إقامتنا في برج أوقات سعيدة وفي ضيافة أمير الضيافة سمو أمير المنطقة ثم بعد راحة قصيرة وفي حدود الساعة التاسعة مساء اتجهنا إلى مائدة أخينا الشيخ علي بن عباس حكمي في فندق الحياة وقد حضر كثير من علية القوم وكانت مائدة توجب علينا شكر المنعم وتوجب الدعاء للشيخ علي بأن لا يأثم.
|
تروح على آل المحلق جفنة |
كجابية الشيخ العراقي تفهق |
ثم استأذنا ورجعنا إلى مكان إقامتنا وجلسنا قبل أن يتجه كل منا إلى غرفته وكان الحديث عن الجدول وهل يمكن تغطيته أم لا كنت أسمع عن معالي الشيخ أنه في رحلاته حتى إلى الدول الخارجية لا يفتأ أن يزور البرلمانات والعلماء والوجهاء والمحافل لا يمل ولا يكل ولا يضيق ذرعاً من السؤال بل يحب أن يسمع ويرى يردد قوله: (لا تضعف أن تستكثر من الخير) قرأنا الجدل واتفقنا عليه ثم ذهب كل واحد منا إلى غرفته حيث خصصت وفي الصباح من يوم الثلاثاء 12-1-1431هـ وبعد صلاة الفجر ذهبنا سيراً على الأقدام على جانب البحر الذي دحر الله فيه الباطل ونصر فيه الحق أهلك فيه فرعون وجنوده وأنجى موسى وقومه على قول بعض أهل العلم البحر الأحمر الجازاني ثم رجعنا وتناولنا القهوة والإفطار وتأهبنا للبدء في المهمة بدأنا بالمحكمة العامة بجازان واستقبلنا رئيسها الأخ الفاضل فضيلة الشيخ علي بن جده المنقري ومعه قضاة المحكمة وفي مكتبه ألقى كلمة موجزة وشرحا موجزاً مختصراً وافياً غير مخل ولا ممل عن المحكمة وتشكيلها وأعمالها وإنجازاتها وماذا يريد القضاة ويراد منهم ثم ألقى معالي الشيخ صالح كلمة توجيهية وافية ثم أخذنا جولة على المحكمة استمعنا إلى أحد المجالس المشتركة وبعد ذلك ودعنا رئيسا المحكمة وقضاتها بمثل الاستقبال ثم اتجهنا إلى الجزئية في جازان واستقبلنا رئيسها فضيلة الشيخ علي بن شيبان العامري وقضاة المحكمة وحصل كالذي حصل في المحكمة العامة ثم اتجهنا إلى صبيا وفيها وعلى مدخل المحكمة الرئيسي استقبلنا فضيلة رئيس المحكمة الشيخ محمد الزهراني وقضاتها (وسعادة المحافظ الشيخ خالد الجريوي المبتكر لكل جديد في محافظة صبيا وحسن المعاملة مخلص في عمله دعانا لزيارته وبشدة فاعتذرنا له) وحصل كالذي حصل في المحكمة العامة والجزئية ثم رجعنا إلى جمعية الأمير محمد بن ناصر للإسكان الخيري وهو إسكان قائم على تبرعات المحسنين نموذج فريد في تصميمه وشوارعه يتوسطه جامع كبير جداً سمي باسم عبد الرحمن بن محمد الغزي بأمر سمو الأمير جزاه الله عني خير الجزاء وصلينا فيه الظهر والعصر جمعاً وقصراً ثم اتجهنا إلى فرع وزارة الشؤون الإسلامية وبعده إلى فرع الهيئات ثم إلى أمير المنطقة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر مهندس نهضة المنطقة ومصممها ومنفذها الرجل الذي يألف ويؤلف عملت معه ثماني سنوات عندما مكنت رئيساً لمحاكمها نعم الرجل نعم الأمير نعم المدير نعم الناقد القدير نعم الخبير البصير في العمل الإداري.
|
إلى الأمير القرم وابن الهمام |
وليث الكتيبة في المزدحم |
أغبطه على حسن خلقه فطوبى له ثم طوبى روي عن عائشة رضي الله عنها: (إن العبد يبلغ بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار) وعن الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليعطي العبد على حسن الخلق كما يعطي المجاهد في سبيل الله يغدو عليه الأجر ويروح).
|
صبا ما صبا حتى على الشيب رأسه |
فلما علاه قال للباطل أبطل |
كريم في خلقه كريم في يده كريم في مائدته. عن أبي سعيد مرفوعاً (خصلتان لا تجتمعان في مؤمن البخل وسوء الخلق).
|
لو كل جارحة مني لها لغة |
تثني عليك بما أوليت من حسن |
لكان ما زاد شكري إذ شكرت به |
إليك أبلغ في الإحسان والمنن |
شجاع لا يتردد في صنع القرار إذا ظهر له صحته ولا يتردد في الرجوع عنه إذا ظهر له خطؤه.
|
لبث قليلاً يشهد الهيجاء حمل |
ما أحسن الموت إذا حان الأجل |
ولا أنت تفري ما خلقت وبعض |
القوم يخلق ثم لا يفري |
جميع المكارم حويتها يا أبا تركي طبعاً وتطبعاً.
|
اذهب بها اذهب بها |
طوقتها طوق الحمامة |
استقبلنا سموه في مكتبه وتحدث إلينا عن همومه وطموحاته تجاه جازان وأهلها وأنه يأمل أن يجعل منها عروس الجنوب وفعلاً أخذت بلباس العرس والمنتظر أكثر وبعد الحديث وتناول القهوة ذهبنا إلى قصر سموه واستقبلنا مسؤولو الدوائر كعادة سموه ثم أخذ في حديث العاشق عن معشوقته وبعد قليل تقدمنا إلى مائدة كريمة جداً حلوة الطعام سبقها طيب الكلام.
|
أفادتكم النعماء مني ثلاثة |
يدي ولساني والضمير المحجبا |
ثم بعد المائدة استأذن الجميع سموه وانصرفنا إلى مكان إقامتنا وبعد صلاة العصر اتجهنا إلى الأخ إبراهيم الذروي وقام بالواجب والأخ إبراهيم صديق محب سبق وأن قابل أحد المسؤولين ومعه بعض الوفد وطالبوا بعودتي إلى جازان وأحتفظ للأخ إبراهيم ومن معه بالدعاء ثم رجعنا إلى جامع خادم الحرمين الشريفين بجازان وصلينا المغرب فيه وألقى معالي الشيخ صالح محاضرة بعنوان (كيف نغير من أنفسنا؟) التغيير الذاتي إلى الأحسن. محاضرة جميلة جداً نافعة ومفيدة حضرها جمع غفير من القضاة والعلماء وطلاب العلم والنساء استمرت إلى أذان العشاء ثم أجاب بعد ذلك على أسئلة الحضور وبعد الصلاة اتجهنا إلى مجلس جماعة الجامع وهو مجلس فسيح أثثته على نفقة أحد المحسنين عندما كنت إماماً وخطيباً للجامع تلقى فيه الدروس مساء كل إثنين ثم اتجهنا إلى ضيافة أصحاب الفضيلة القضاة في فندق الحياة حضرها سمو أمير المنطقة وجميع قضاتها وطلاب علمها ووجهائها امتلأت قاعة الفندق وأفنيته أخذ كل منا مكانه في المنصة الرئيسة ثم بدأ الحفل بالقرآن بعد ذلك كلمة ترحيبية لفضيلة رئيس المحاكم الشيخ علي المنقري أثنى فيها على من يستحق الثناء أمير التحدي والتصدي صادق الوعد وأمير المجد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر ثم بعد ذلك أثنى على معالي الشيخ صالح والوفد المرافق. وبعد ذلك ألقى الشاعر المبدع مهدي الحكمي قصيدة عربية نالت إعجاب الحضور بنسبة عالية أما عندي فهي المعلقة الثامنة لفظها من ذهب وسبكها في منتهى العجب ومعانيها تدعو إلى الطرب وإلقائها يجعل الأعناق تشرأب يستحق الشاعر لقلب شاعر العرب ثم ألقى معالي رئيس المجلس كلمة ضافية رحب وأثنى على سمو الأمير وعلى جنودنا البواسل في مواجهة المتسللين وبعد ذلك توجه الجميع إلى مائدة الطعام المعدة أرجو أن لا تكون إسرافاً. رحب الشيخ رئيس المحاكم بالجميع عنه وعن زملائه واعتذر عن التقصير ولا حول ولا قوة إلا بالله, ثم استأذن سمو الأمير والجميع من المضيفين وانصرفنا وفي مقر الإقامة طلب منا معالي الشيخ شد المئزر في غد الأربعاء 13-1-1431هـ وبعد صلاة الفجر أخذ كل واحد منا وقتاً للراحة وفي الساعة السابعة ونيفا فوجئت بأخي فضيلة الشيخ الوقور الجسور الكريم ابن الكريم الشيخ محمد بن الشيخ منصور المدخلي رحمه الله فوجئت به واقفاً على الباب فاستغربت حضوره وأيقنت بأن في الفخ إفطارا متكلفا مع أنه سبق الاعتذار له فقال: عملت إفطارا مختصرا جدا وجعلته في صالة الفندق أيسر لكم وأقرب فأبلغ الشيخ دعوتي ورغبتي بحضوركم اختبرت الشيخ والوفد المرافق فاستجابوا للدعوة ثم اتجهنا إلى مائدة الشيخ محمد وإذا بها مائدة تجمع بين كلفة الإفطار والغداء والعشاء أعد ثلثاها خارج الفندق بالأكلات الشعبية الجازانية المعروفة فغضب الوفد لهذه التكاليف إلا أنا فلقد ألفت ذلك منهم وتعودته.
|
يغشون حتى لا تهر كلابهم |
لا يسألون عن السواد المقبل |
وبعد إفطار هنيء مريء اتجهنا إلى محافظة أبي عريش والتقى الوفد بالقضاة وبكتاب العدل وتمت المناقشة في صالح العمل ثم اتجهنا إلى محافظة (أبو عريش) واستقبلنا محافظها الشاب محمد بن لبدة وهو كريم ومن أسرة معروفة كريمة وتناولنا عنده القهوة والمرطبات وتوجه الشيخ قاسم هادي قصاري شيخ شمل قبائل المسارحة بدعوة الجميع وألح بذلك وأن الاستجابة لا يعادلها شيء في نفسه فاعتذر الشيخ لضيق الوقت ثم استأذن الجميع إلى أحد المسارحة والتقى الوفد بالقضاة واستمع إلى ملاحظاتهم ومطالبهم ثم ودعونا واتجهنا ومعنا محافظ أحد المسارحة د. متعب الشلهوب وجده أحد رجالات الملك عبدالعزيز وأسرته غنية عن التعريف اتجهنا على مركز الإيواء وهو مركز زود بجميع الخدمات ووسائل الراحة وتجولنا فيه بعد ذلك ذهبنا إلى مركز الدعوة وألقى مدير فرع وزارة الشؤون الإسلامية الشيخ محمد منصور المدخلي ألقى كلمة ضافية وما أجمل سبكه وحديثه وفضيلته إمام جامع المطار لا تسأم خطبته ولا خطابته ثم ألقى شيخنا الشيخ صالح كلمة جمع فيها وأوعى مع قصرها جاءت بالجديد والمفيد ثم اتجهنا إلى صامطة وقام الوفد بزيارة فضيلة الشيخ والدي زيد المدخلي وهو من علمائنا المعروفين المشهود لهم بالعلم والاعتدال نفع الله بعلمه في المنطقة الجنوبية لا في جازان فقط بل فيها وفيما جاورها من المناطق ثم استأذن فضيلته وتوجهنا إلى المحكمة وفيها التقينا برئيسها وقضاتها واستمعنا إلى مطالبهم وقد حضر محافظ صامطة الأستاذ سلطان بن أحمد بن تركي السديري الذي رحب بنا وتكلم عن المحافظة وما تشهده المنطقة من تطور ظاهر إيجابي على يد أميرها وما تحتاجه المحكمة من دعم وطالب بفتح محكمة جزئية مساندة للمحكمة العامة وطلب من الشيخ المرور عليه بالمحافظة فاستجبنا له وسعادة المحافظ معروف ومن أسرة معروفة مشهورة وكفى.
|
أما سألت فإنا معشر نجب |
الأزد نسبتنا والماء غسان |
ثم استأذنا واتجهنا إلى معسكر الجيش وألقى الشيخ كلمته الجميلة وليت لي فيها لقلت له زد ثم اتجهنا إلى مستشفى الملك فهد وزرنا عدداً من المرضى ودعونا لهم بالعافية والأجر ثم ذهبنا إلى فضيلة رئيس المحاكم الشيخ علي المنقري في دعوته الخاصة وفي منزله العامر في قرية رديس واستقبلنا والده وعدد من وجهاء القرية وبعد القهوة والطيب دعانا إلى المائدة الكبيرة رزقني الله وإياه شكر النعم ودفع عنا النقم ومع هذه المائدة المفندقة بطاقمها ومأكولاتها الفندقية والبيتية أخذ في الترحيب والاعتذار عن التقصير ثم بعد ذلك ودعنا الجميع واتجهنا إلى وكيل الإمارة الدكتور عبدالله السويد (تواضع وكرم وخلق وتلطف وإجلال للعلماء كسنة أبائه وأجداده).
|
ليس قومي بالأبعدين إذا ما |
قال داعٍ من العشرة هيت |
وبعد جلسة وديعة وقصيرة قال: أعلم أنكم على أهبة السفر وقد حاولت أن أجد في جدولكم متسعا لإكرامكم مع أنكم مكرمون في نفسي ثم استأذناه واتجهنا إلى المطار وهو معنا ووجدنا في المطار حشداً كبيرا من المودعين يدل على حفاوة وإجلال وإكرام للقادمين كعادة هؤلاء القوم من طيب الكلام وإطعام الطعام.
|
أكاد إذا ذكرت العهد منها |
أطير لو أن إنسانا يطير |
رحلة جازان مليئة بالفوائد فيا ليتها كانت الباقية
|
(*) عضو المجلس الأعلى للقضاء - عفا الله عنه |
|