Al Jazirah NewsPaper Saturday  06/02/2010 G Issue 13645
السبت 22 صفر 1431   العدد  13645
 
سكان العالم: مؤشرات وتوقعات
د. عبدالعزيز بن عبداللطيف آل الشيخ

 

هناك مؤشرات تدل على انخفاض معدل النمو السكاني بشكل عام باستثناء بعض المناطق في العالم مثل: أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وإفريقيا جنوب الصحراء. وستأتي الزيادة في سكان العالم، بعد أربعين عاما من الآن،

من الدول النامية بنسبة 99 في المائة، كما أنه من المتوقع اطراد نمو السكان القاطنين في المدن والمراكز الحضرية. إلا أن المشكلة القادمة تتمثل في أن 4 من 5 من كل فرد من سكان العالم سوف يعيشون في دول فقيرة. أما الفرق بين الدول المتطورة والنامية يتمثل في معدل المواليد: سيكون، أو سوف يستمر المعدل منخفضا في الدول المتطورة ومرتفعا في الدول النامية. هنالك ما مجموعه 49 دولة سوف تستمر في المساهمة في نمو السكان العالمي بمعدلات تتجاوز المعدل العالمي، البالغ في الوقت الحاضر 1.7 في المائة، مقارنة بمعدل 2.0 عام 1960م. وسوف يستمر ما يعرف ب «الزخم السكاني،» على الرغم من الانخفاض النسبي لمعدل النمو العام، ويعود ذلك إلى احتمال نمو السكان الذين هم على أبواب الأبوة.

وتبنى التوقعات لمعدلات النمو السكاني على الأعداد المطلقة للنمو وليس على المعدلات النسبية. زاد سكان العالم بمجموع «بليون» نسمة خلال الأربعين سنة الماضية، ويتوقع أن يضيف العالم إلى سكانه بليونين من البشر خلال الأربعين سنة القادمة، وبالطبع سيكون لهذه الزيادة تأثير أكبر بالنسبة للموارد المتاحة عالميا، ويشمل ذلك: الغذاء والماء والطاقة. وما قيل عن القنبلة السكانية الموقوتة في عام 1968م من المتوقع أن ستكون ثمة أخرى في العقود الأربعة القادمة.

ويرتبط تنظيم النسل بمتغيرات منها ارتفاع تعليم المرأة وتأخر سن الزواج الذي بدوره يؤثر على معدل الخصوبة وينعكس في النهاية على معدل النمو السكاني، وانخفاض معدل حجم الأسرة، أو مسألة الإنجاب أكثر من أي وقت مضى. ومن المتوقع أن يبلغ إجمالي سكان العالم حوالي 9 بلايين نسمة بحلول عام 2050م، أو بعبارة أخرى سيضيف العالم ما مقداره 2.1 بليون نسمة إلى حجمه الحالي البالغ 6.8 بليون نسمة. وهنالك مفهوم معروف ومتداول ألا وهو ما يطلق عليه «الاكتظاظ السكاني» ويعني الحجم السكاني بالنسبة للموارد، والتي يجب أن تكون علاقة متوازنة. فعلى سبيل المثال تعتبر الولايات المتحدة مكتظة سكانيا، إذ يستهلك سكانها، البالغون 305 مليون نسمة، موارد تناسب 450 مليون نسمة، ولهذا تنصح بالوقوف عند طفلين للأسرة الواحدة. وهنالك دول تكون حالتها معاكسة لذلك، وبعبارة أخرى يستهلك سكان الولايات المتحدة أكثر من احتياجهم وهذه «الشراهة» في الاستهلاك تنتجها دول عظمى أخرى مثل الصين، مشكلة ضغطا على البيئة والموارد، وتستهلك هذه الموارد من قبل الدول المكتظة بالسكان والقادرة على الاستهلاك مثل الولايات المتحدة. وهنا نقول: أن ليس العبرة بالأرقام المطلقة بل ما يستهلكه السكان من الموارد الطبيعية للأرض وفي مقدمتها الغذاء. أما الصين فقد نهجت سياسة سكانية تتمثل في تحديد النسل بمعدل يعرف ب «مستوى الإحلال،» أو بمعدل طفل واحد للفرد الواحد. وهنالك خمس وعشرون دولة في العالم وصلت إلى أقل من ذلك المستوى، ومع ذلك استمرت في النمو لأن عدد النساء القادرات على الإنجاب مرتفع، أو بعبارة أخرى هنالك المزيد من أمثال أولئك النساء على الرغم من انخفاض عدد المواليد للمرأة الواحدة، وهذا من شأنه زيادة النمو السكاني. وفي خلفية الاكتظاظ السكاني هنالك الضغط على الموارد و الانحباس الحراري والتسمم الأرضي « toxification of the earth .»

أما من يتخذ قرارا بتحديد النسل أو تنظيمه فهذه مسألة فيها أقوال كثيرة: هل يقرر المجتمع، بشرائعه وقيمه وتقاليده وعاداته، أو الدولة، أو يترك الأمر للأسرة باعتبار ذلك مسألة شخصية وفردية؟ هل يتبع ما اتخذته الصين أو إيران أو كوريا الجنوبية؟ هنالك من يقول: إن على الدولة ومؤسسات المجتمع توعية الناس وإمدادهم بالمعلومات في هذا الشأن، وذلكم توجه اتخذته الأمم المتحدة. وثمة سؤال آخر: هل الدول الفقيرة لديها القدرة على أخذ المسئولية على عاتقها، وهل ترى دول العالم بدون استثناء، ضرورة لتحديد النسل؟، قد يجمع على مسألة «تنظيمه» أما «تحديده» فمسألة فيها نظر. أما العلاقة بين الشأن السكاني والقضايا البيئية فتشتمل في مجملها على مسألة الاستدامة ومسألة تركز السكان حول السواحل وما يصنعه الإنسان من تقليص للغابات.

ولقد دعا سكرتير الأمم المتحدة قادة الدول إلى اجتماع في شهر سبتمبر هذا العام لتحديد ما اصطلح عليه ب «أهداف الألفية الثمانية» MDG Millennium Development Goals ، والتي تتدرج من إيقاف الفقر المدقع وانتشار مرض الإيدز وإتاحة التعليم الأساسي لكافة السكان. ولم يتبق إلا خمس سنوات، حيث إن عام 2015م العام المستهدف للوصول إلى الأهداف الثمانية. ويأمل الأمين العام للأمم المتحدة أن يحقق اجتماع سبتمبر الهدف منه وهو تأكيد الوصول للأهداف بعد خمس سنوات من الآن. وشعار الأمم المتحدة الذي أقل ما يقال عنه: أنه حلم، يقول: « فلينتهِ الفقر بحلول عام 2015م.» والقضية فيها شيء من التعقيد إذ إن هنالك هجرة من الجنوب باتجاه الشمال: من الدول النامية إلى الدول المتطورة، ويتوقع في السنين القادمة المزيد من الهجرة خلال الدول النامية، أي من الجنوب إلى الجنوب، وسينتج عن ذلك المزيد من الصراعات السياسية والاقتصادية والعرقية.

وهنا تجدر الإشارة إلى نوع آخر من العلاقة: «الرأسمالية والاكتظاظ السكاني،» وفي هذا الشأن تربط النظرية الاقتصادية بين النموين السكاني والرأسمالي، إلا أن هنالك من يقول: إن النمو السكاني ليس ضروريا للنمو الرأسمالي، صحيح أن النمو السكاني يساعد على الاستهلاك، إلا أن الازدهار الاقتصادي يمكن أن يحدث دونما نمو سكاني. وعوضا عن ذلك، يجب أن يتم الربط بين النمو ومعدل دخل الفرد وليس إجماليا، أي ليس بناء على العلاقة المطلقة بل النسبية. ولقد أصبح مؤكدا ضمن «المجتمع العلمي» أن النشاط البشري سوف يؤثر سلبا على البيئة والموارد. وهنا يقال بضرورة الربط بين الحجم السكاني والموارد، فهل نخطط ونضع الاستراتيجيات في ضوء أمثال هذه الرؤى؟ سؤال مطروح أمام مجتمعنا العلمي ومخططينا.

المشكلة مع الدول الفقيرة، إذ نجد أن الدول الأكثر نموا في السكان هي نفسها الدول الأقل تطورا، وينتج عن ذلك المزيد من السكان غير المنتجين والذين سيشكلون ضغطا على الموارد الاقتصادية اللازمة لحياة مستدامة.

وأخيرا نقول: إنه من المعلوم عندما يتحقق اثنان من الأربعة التالية سوف ينخفض معدل الخصوبة: انخفاض معدل الوفيات للأطفال، ارتفاع سنوات التعليم للمرأة، زيادة دخل الأسرة، التخطيط الأسري.

وثمة مشكلة أخرى: على الرغم من معرفتنا بكيفية التحكم في النمو إلا أننا لا نعرف كيف نتحكم في الاستهلاك. وهناك سؤال أخيرا أطرحه: ما أسوأ سيناريو بالنسبة لعالمنا ما بعد 2050م، في حالة استمرار النمو السكاني العالمي بالمعدلات الحالية؟




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد