من وظائف العقل التفكير الذي تؤيّد دفعه ذاكرة وأحاسيس وانفعالات، وحين يفكر الإنسان ويلقي بالرؤى والتحليل ليتم الاستيعاب فلا بد من موضوع كمسرحٍ لهذا ومنطلق، ويندفع الإنسان من ذاته.....
...وبها فيلقي بفكره وتصوره وحكمه الذي يسبقه درس وتحليل ليصبح مادة للحوار البنَّاء.
وحين ينساب الفكر بدافع من ذات الإنسان الذي هو أصل مصدره فإن هذا يعتبر تفكيراً تلقائياً، ولنا في قوله تعالى: ?وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ?.
ويجسد الإنسان خواطره من خلال الحوار بصياغة فكرية يدفع بها من تلقاء نفسه، وبقدرة فكره والتفكير لديه، فهو المصدر وما يطرحه من بنات أفكاره، ولم يتعرض لإكراه ولا قسر، وإن سعى إلى جمع مواد معرفية تثري الفكر وتؤسس له أحياناً.
ومن مناهج التفكير الأخرى ذلك الذي يعتمد على التلقين والإكراه، حيث يزرع بذرته ويؤسس له فكر غير فكر المتلقي، ومنطلق هذا التفكير دفع الطرف الآخر ليفكر بغير فكره الذاتي من خلال التوجيه القسري فينتقل من التفكير التلقائي إلى القسري، حيث التفكير التلقائي تعبير عن ذات الإنسان وفاعلية خواطره التي يلقي بأفكارها كعناصر للحوار، ولقد قال عزَّ وجلَّ: ?ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ?، كما قال عزَّ من قال: ?أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ?، خطاب من الله العزيز الحكيم منزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكما أعتقد أن فيه إشارة لعدم الإكراه، حيث قال سبحانه، ?فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ?.
والراسخون في العلم بالعلم أدرى.
وفي الكذب ضلال وتضليل يمارسه بعضٌ من محترفي السياسة لمقاصد لا تخفى على دارس محلّل، وليعذرني القائمون على الدعاية والإعلان فأقول حتى الدعاية والإعلانات لا تخلو من إكراه أو إيحاء ومبالغة، فيستخدمون ذلك كوسيلة تخلق حالة من التراكم، وحينما تتعمّق تؤدي إلى فعلٍ مقصود.
إن التفكير التلقائي وسيلة للحوار فيقل الجدل والسخط والصراخ، فكل المتحاورين أطراف على مائدة موضوع واحد يتحدث أحدهم فيصغي له الجميع حتى يأتي الدور على متحدث آخر، وهذا من مقومات الحوار البنَّاء.
وفي التفكير القسري دفعٌ بإكراه أو إغراء للالتحام بالمشهد كما يريد الموجه بفكرة ما، فهو موجه بقصد من قاصد، أو أنه نتيجة لإملاء متعصب يعتمد الإيحاء، حيث مجمل ما يقوم به وفق مخطط معين، فيكون الإكراه مبطناً بخدعة الأحسن يمارس هذا النوع من الإكراه مَن هم في دائرة الإرهاب، وكذلك صاحب المعتقد غير الصحيح، ويدفعه هذا إلى نشره بين الناس، والأمثلة على ذلك كثيرة.
كما أن دفع الآخرين بفاعلية التفكير القسري إحدى الوسائل التي تعتمد عليها بعض الحركات السياسية والأحزاب، فتأثيره يتعثر والالتواء وادعاء الأفضل والأحسن بإغراء الهدف إحدى وسائل دفع التفكير القسري، فتشكيل الخلايا ضمن حركة إرهابية، وكذلك ما يتم في بعض الأحزاب المشبوهة، والأنشطة الاستخباراتية جميعهم يعتمدون على الفكر بالإكراه، أي على التفكير القسري، فهؤلاء في طليعة من يستخدم وسائله لتحقيق الغايات والمقاصد، وفي حدود هذا الموضوع وما يرتبط به مزيد يوضح في أساسه طرقاً شائعةً في مشهدٍ أساسه ضلال فلا يسعفه التفكير التلقائي، والبديل التفكير القسري.
وحين يُحرم طرف من الأطراف من التعبير الشامل عن فكره، ولم يجد وسيلة للحديث عنه، وكذلك الأذن التي تصغي إليه، فالعائد فراغ انطلق من فراغ، حيث المساحة المتاحة لحديثه كي ينطلق تضيق، ومخرجه الدفع بالتفكير القسري.
ومن ميزة التفكير التلقائي سرعة نفاذه إلى العقول، ويمتنع ذلك في بعض الأحيان مع الفكر القسري لما يقابله من جدلٍ ورفض أحياناً، فلا نقطة التقاء تجمع الأفكار التي مصدرها من هنا وهناك ليتبيّن لها فعل ظاهر.
كما أن الفكر التلقائي يأخذ بمبدأ خير الكلام ما قلَّ ودلَّ بعكس التفكير القسري، حيث الجدل واختلاف بخلاف، والله الموفِّق.