لا شك أن مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم، جريمة كبيرة، وكارثة خطيرة، يخشى على من بلي بها من شقاء الدنيا وعذاب الآخرة، يقول عزَّ وجلَّ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} يقول ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة، أَوْ {يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قال - رحمه الله- أي في الدنيا، بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك.
فكل من خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم ورفض خاطب ابنته، المتدين صاحب الخلق الأمين لأنه فقير، أو لأنه ليس موظفاً مرموقاً، أو لاعتبارات جاهلية من حسب ونسب وغير ذلك، فإنه معرض للوقوع في تلك الفتنة، أو يكون سبباً في تعريض ابنته لها وللفساد العريض الكبير، الذي يتمنى لو دفع مئات الآلاف من الريالات، وضحى بأكبر المناصب، مقابل السلامة منه.
نعم، النبي صلى الله عليه وسلم كما وصفه الله عزَّ وجلَّ: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} كلامه صلى الله عليه وسلم وحي من الله، الخبير بخلقه، اللطيف بعباده، العليم بأحوال الناس، وما تؤول إليه أمورهم، وما تصير إليه شؤونهم، فإذا تقدم مرضي الدين والخلق، ورفض فانتظر الفتنة والفساد الكبير.
إن من الآباء من يزعم إرادة الخير لابنته، ولكنه يؤخر زواجها، منتظراً ثرياً يتقدم لخطبتها، أو شاباً من علية القوم، أو مسؤولاً كبيراً، فتكون ابنته ضحية غروره وانخداعه بزخارف الدنيا، ومحبته للدرهم والدينار، وإعراضه عن أمر نبيه صلى الله عليه وسلم، والنتيجة هي ما حذّر منه النبي صلى الله عليه وسلم : الفتنة والفساد الكبير، والواقع خير شاهد، فإحدى الفتيات، وقعت في الفاحشة، الفساد الكبير، ثم أدخلت السجن، فسألوها عمّا حملها على ذلك، وعن سبب وقوعها، فقالت: أبي لا سامحه الله. قالوا: وكيف؟ قالت: كان يرد الخطّاب منذ أن كان عمري ثمانية عشر عاماً.. فلما أكثر ردهم.. لم يطرق بابنا خاطب.. حتى جاوزت الثلاثين.. فأردت أن انتقم منه بهذا الفعل. ونحن -أخي القارئ الكريم- لا نرى هذا عذراً أمام الله عزّ وجلّ لهذه الفتاة، ولا نتمناه لبنات المسلمين، ولكنها عظة وعبرة، نأمل أن يستفيد منها كل أب أخّر زواج بناته ولم يدرك عواقب الأمور، وما يترتب على مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم. وقد حدثني أحد الأخوة، ممن لهم علاقة في إحدى الجهات، عن كثرة الأبناء الذين لا يُعلم من هم آباؤهم، إنما جاؤوا لهذه الدنيا نتيجة الفساد الكبير العريض، الذي حذّر منه -صلوات ربي وسلامه عليه- وقد ذكر الأخ، أنها ظاهرة لافتة للنظر، وتنذر بشر، فليستشعر الآباء معاناة بناتهم، وليتقوا الله في فلذات أكبادهم، وليحذروا الظلم، ولا يكونوا سبباً في أمر لا تحمد عقباه، أول وآخر من يتجرع غصصه هم، {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}.
إن بعض الفتيات ليتصلن على بعض مأذوني الأنكحة، وخطباء الجوامع، ومن يظن بهم الخير، مما أصابهن من الضيم والظلم والعضل الذي لا يحتملنه؛ يقلن: لا نريد الحرام، تقدمت بنا الأعمار، كثرت بنا الأمراض النفسية والعضوية، بعضهن معلمات، وبعضهن ممرضات، المعلمة تموت حسرة عندما تدعى لزواج طالبة من طالباتها، والممرضة يتقطع نياط قلبها وهي تطبب من هي بنصف عمرها، وهي في حالة حمل أو ولادة.
إن عضل البنات وتأخير زواجهن، وما يترتب على ذلك من مفاسد عظيمة، لقضية خطيرة، ومشكلة اجتماعية جديرة بالعناية والاهتمام، وهي مسؤولية الجميع، كل على قدر مكانته وعمله، ولعل من واجبنا، النصح والتوعية، لمن وقع في هذا الشر المستطير، والأمر الخطير، وتذكيره بالله عزّ وجلّ، وتحذيره من مغبة عضله. النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة) فقال رجل: وإن كان يسيراً يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وسلم: (وإن كان قضيباً من أراك). فإن كان عود السواك ظلماً، يدخل النار، فكيف بعضل فتاة تقف في حيرة من أمرها، فإن رفعت أمر أبيها إلى القضاء، فقد يُعاب عليها ذلك، وإن صبرت وحبست آلامها ودموعها، فقد تنفجر يوماً من الأيام.
فهي رسالة، عبر هذه الصفحة المباركة، لكل فتاة عضلت، فإننا -والله- نحس بعظيم بلائها، ونستشعر قدر معاناتها، فلا نجد لها إلا الصبر، فليكن أملها بالله كبير، فهو سبحانه أهل لتفريج الكرب، ورفع الهموم، ودفع الغموم، فلتصبر ولتحتسب، فقد يكون في بلائها رفع لدرجاتها، وتكفير لسيئاتها، ونوصيها بالدعاء، فإن للمظلوم دعوة مستجابة، وليكن دعاؤها بهداية والدها، ولا تفعل كما فعلت تلك المرأة، التي عند موت والدها، قالت له: حرمك الله الجنة، كما حرمتني الزواج. وعليها أن تتقي الله فإن العاقبة للمتقين.
* حائل