Al Jazirah NewsPaper Friday  05/02/2010 G Issue 13644
الجمعة 21 صفر 1431   العدد  13644
 

(يا الله حسن الخاتمة) وموت يوم الجمعة
د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى

 

(يا الله حسن الخاتمة) نسمعها من الآباء والأمهات..

نظنها كلمة عابرة... وأحياناً نحسبها شارة الكبر حتى إن بعضهم أو بعضهن يتثاقل أو يستوحش أن تدعو له بها، ولكن المواقف تهزّ النفس بأبلغ من مئات المواعظ...

ها هو مؤذن مسجد الحي الذي أصلي فيه صالح بن إبراهيم الشاوي وهو والد زميلنا د. عبد العزيز الشاوي كان يؤذن لصلاة العصر يوم الجمعة الماضي 15 محرم 1431 وكان بعض الناس خارج المسجد يتابعون أذانه، منهم من كان في بيته ومنهم من كان في طريقه إلى المسجد، ولما فرغ من الأذان قائلاً (لا إله إلا الله) يقول لي من كان يسمعه: كانت (لا إله إلا الله) كأنها بصوتٍ خاشع أو متحشرج، ولم نستنكر كثيراً قلنا ربما (فيه كحة أو حلقه يوجعه)، ولما دخل أبو محمد المسجد (وهو جاري الملاصق للدار) يقول لي: رأيت المؤذن أبا عبدالعزيز مستلقياً على الأرض بين موضع الأذان وموضعه الذي يتنفل فيه عادة بين الأذان والإقامة أو يقرأ القرآن، يقول أبو محمد: كان دخولي مع دخول رجل آخر من جماعة المسجد ونحن أول من دخل فبادرنا إليه فوجدناه قد فارق الحياة، ومع ذلك طلبنا الإسعاف وحملناه ولكنه كان قد توفي في المسجد رحمه الله...

لما عزينا أهله قلت لهم: مثلكم يهنّأ ولا يُعزّى فحسن الخاتمة فضيلة عظيمة وأمنية يتمنّاها كل مسلم، والموت لا بد منه فحين يأتي بحسن ختام فيا بُشرى من خصّه الله بذلك.

ذكر الألباني رحمه الله في أحكام الجنائز ص 34 ثلاث عشرة علامة من علامات حسن الخاتمة بأدلتها، وأحسب أن مؤذننا عليه الرحمة قد جمع الله له ثلاثاً من تلك العلامات:

الأولى: نطقه بالشهادة عند الموت، قال الألباني وفيه أحاديث: عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة»، أخرجه أبو داود في سننه برقم (3116) وقد صححه الألباني في صحيح أبي داود، وقال في أحكام الجنائز: أخرجه الحاكم وغيره بسند حسن عن معاذ، وله شاهد من حديث أبي هريرة.

وكل من سمعه شهد بنطقه للشهادة، إذ ختم بها أذانه فكانت آخر كلامه.

الثانية: الموت على عمل صالح. قال الألباني: لقوله صلى الله عليه وسلم «من قال: لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن صام يوماً ابتغاء وجه الله ختم له به دخل الجنة، ومن تصدّق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة» أخرجه أحمد (5 -391) عن حذيفة، وإسناده صحيح، قال المنذري (2 -61) «لا بأس به» ا.هـ

وقد توفي مؤذننا على عمل من أفضل الأعمال وهو الأذان، كما أن ما بين الأذان والإقامة في المسجد وقت فاضل كما أخبر الحبيب صلى الله عليه وسلم: «إن العبد في صلاة ما انتظر الصلاة» متفق عليه.

الثالثة: وافق موته يوم الجمعة، وقد جاء في فضيلة موت الجمعة أحاديث أشهرها ما في سنن الترمذي (3 - 386) برقم (1074) عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر»

قال الألباني في أحكام الجنائز: أخرجه أحمد (6582 - 6646) من طريقين عن عبد الله بن عمرو، والترمذي من أحد الوجهين، وله شواهد عن أنس وجابر بن عبد الله، وغيرهما، فالحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح، وانظر أيضاً صحيح الترغيب والترهيب (3- 220)، صحيح الجامع الصغير (5773).

لئن افتخرنا بالشهادات والمناصب والاستثمارات فو الذي نفسي بيده ما الفخر إلا بمثل هذا الختام والوسام.

خذوا الشهاداتِ والألقابَ والذهبا

وقلّدوني وساماً مثل من ذهبا

ربّاه رُحماك فاغفر ذنب من رغبا

واختم له خير ما قد كان منقلبا

فائدة علمية

من علامات حسن الخاتمة: الاستشهاد في سبيل الله، والموت غازياً في سبيل الله، والموت مرابطاً في سبيل الله، ومن قتل دفاعاً عن الدين، ومن قتل دفاعاً عن النفس، ومن قتل دفاعاً عن أهله، ومن قتل دفاعاً عن ماله، والموت بالطاعون، والموت بداء البطن، والموت بالغرق، والموت بالهدم، وأرجو أن تكون حوادث السيارات من جنس الهدم، فقد سألت شيخنا ابن باز رحمه الله: هل تعتبر من الهدم؟ قال: نعم، ولكن ليس معناه التهوّر في القيادة؛ لأن من فعل ذلك فقد تسبّب في قتل نفسه، وموت المرأة في نفاسها بسبب ولدها، والموت بالحرق، والموت بذات الجَنْبِ (و هي ورم حارّ يعرض للحجاب المستبطن للأضلاع)، والموت بداء السل.

فيما يتعلق بموت يوم الجمعة

فقد تقدم أن الترمذي أخرج الحديث ثم قال بعده: هذا حديث غريب (وفي نسخة حسن غريب) وهذا حديث ليس إسناده بمتصل، ربيعة بن سيف إنما يروي عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو ولا نعرف لربيعة بن سيف سماعاً من عبد الله بن عمرو.

وقد أخرجه أيضاً الإمام أحمد في المسند (11- 226)، (11- 627) والطبراني في الأوسط (3 - 268).

قال ابن حجر في فتح الباري (3 - 253): في إسناده ضعف، وأخرجه أبو يعلى من حديث أنس نحوه وإسناده أضعف.

وهو في مسند أبي يعلى (7 - 146).

وله شاهد مرسل في مصنف عبد الرزاق (3 - 269) عن رجل عن ابن شهاب بنحوه، وزاد: وكتب شهيداً.

وقد استوفى السيوطي شواهده في شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور (1 - 150) فقال: أخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن أبي الدنيا والبيهقي عن ابن عمرو.. فذكره.

وأخرج ابن وهب في جامعه والبيهقي أيضاً من طريق آخر عنه بلفظ: «إلا برئ من فتنة القبر»، وأخرجه البيهقي أيضاً من طريق ثالثة عنه موقوفاً بلفظ «وقي الفتان». إلى أن قال: أخرج أبو نعيم في الحلية عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة أجير من عذاب القبر وجاء يوم القيامة عليه طابع الشهداء، وأخرج حميد في ترغيبه عن إياس بن بكير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من مات يوم الجمعة كتب له أجر شهيد ووقي فتنة القبر.

وأخرج من طريق ابن جريج عن عطاء بن يسار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم أو مسلمة يموت ليلة الجمعة أو يوم الجمعة إلا وقي عذاب القبر وفتنة القبر ولقي الله ولا حساب عليه وجاء يوم القيامة ومعه شهود يشهدون له بالجنة أو طابع.

وقد نقل القاري في مرقاة المفاتيح (5 - 40) كلام السيوطي، ونقل المباركفوري كلام القاري في تحفة الأحوذي (4-160)، وانظر في تخريجه أيضاً: المغني عن حمل الأسفار (1-131)

والخلاصة: أن هذا الحديث وإن ضعّفه طائفة من أهل العلم فهو فضل نرجوه لمن توفاه الله يوم الجمعة أو ليلتها وبشارة نستبشر بها له، ولا يترتب عليه عمل ولا يتصوّر أن يتقصد الموت فيه أحد، ولئن كان المحدثون يتساهلون في الضعيف في فضائل الأعمال فهذا من جنسها؛ بل هو أخف، والله أعلم.

أستاذ الفقه المشارك في جامعة القصيم

feqh@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد