كنت في مجلس خاص، فإذا بأحد الزملاء قد جلس في ركن قصي من المجلس، ولم يشاركنا جلستنا، ومعه مجموعة من الأوراق، وبيده هاتفه الجوال، وكان يقطع مكالمة، ويبدأ بأخرى، واستمر على هذا الحال لمدة طويلة زادت على الساعة، وانتهى بمكالمة طويلة تبين لنا فيها مضمون الحديث على عكس ما سبقها.
أتعلمون مع من كان يتحدث طوال هذا الوقت؟ كان يتصل بمجموعة من المدرسين والمدرسات الذين يسمونهم في عرفهم «المدرس الخصوصي» وحينما فرغ من حديثه الأخير سألناه جميعاً وبصوت واحد «بشر» فقال مستبشراً «أبشركم» وجدت مدرساً خصوصياً للأبناء، وأسأل الله التيسير فيما تبقى في موضوع المدرسة الخصوصية.
وقبل أن يبدأ في تفاصيل الحديث عما جرى ودار بينه وبين المدرسين الخصوصيين تدخل أحد الحضور، وهي عادته في مقاطعة الناس بالحديث والاستئثار به، فقال لنا قصته، ولم أرغب في إيرادها لولا طرافتها، يقول صاحبنا -بعد أن قطع حديث الجميع- إن لي عادة في تسجيل بعض الإعلانات وأرقام الهواتف على الجوال متى ما دعت الحاجة إليها سواء لي أو «فزعة» مع غيري، وقد سجلت فيما مضى رقم هاتف مدرس خصوصي علق لوحاته في جوار بعض المحلات بحيث وعند اقتراب الاختبارات قبل عدة سنوات اشتكى إليَّ أحد الزملاء عدم إلمام ابنه بمادة الرياضيات فبادرت بإعطائه الرقم، وتم الاتفاق بينه وبين المدرس الخصوصي.
فوثبنا عليه جميعنا وثبة مضرية وبغضب شديد أتقطع حديثنا والرجل لتخبرنا عن هذا الخبر البسيط عن «فزعتك» ؟ فأدرك خطأه، وقال: تمهلوا علي، ولا تحملوا علي بما وقعت فيه، وأنتم تماثلونني في الخطأ، فأنا لم أفرغ من حديثي، ثم أطلق ضحكة ضحكنا «كعادتنا» معه قبل أن نعرف ما هي الخاتمة للقصة، قال: إن المدرس الذي حضر للتدريس هو سائق «سطحة» يعني السيارة التي تحمل السيارات المعطوبة والتالفة والمصدومة، وهو يترزق الله كما يقولون في مواسم الامتحانات بعد أن يركن «السطحة» خلال أيام الامتحانات، ولكن أبشركم لم يخب ظني بالرجل فقد نجح الطالب -ولله الحمد- تبادلنا الضحكات، وعاد صاحب الاتصالات الأول إلى حديثه معتذراً عن إزعاجنا وانشغاله طوال هذا الوقت قائلاً: منذ عدة أيام، وأنا أبحث عن مدرسين ومدرسات خصوصيين، ولم أجد ضالتي، فبين أناس يطلبون أربعة آلاف ريال وثلاثة آلاف ريال للكتاب الواحد، ومن يطلب أجرة للساعة بمبلغ يفوق مرتبه الشهري في بلده مع اشتراطه ألا تقل الدروس يومياً عن ساعتين، ومن يطلب إحضار الطالب إلى منزله، لأنه يدرس بالجملة، وليس بالقطاعي يعني حصيلته ما شاء الله «بالألوف» ومنهم من يشترط أن يدرس الطالب في الواحدة أو الثانية ليلاً. وأما المدرسات فحدث ولا حرج، فهن لا يقللن عن المدرسين جشعاً وطمعاً، وإن كن أقل عدداً من المدرسين.
رد أحد الحضور هؤلاء ليسوا مدرسين، وإنما جزارون، قال صاحبنا: نعم، نعم في وقت الأضاحي كل العمالة يتحولون إلى جزارين، والجزارون يتحولون إلى مدرسين قولاً وعملاً، فهم يمارسون العمليتين.
انتهت التعليقات وهدأت الأصوات، ثم تحدث الرجل الرصين في المجلس الذي يستمع أكثر مما يتكلم وبصوت هادئ لم يشأ أن يقطع الحديث على أحد، استأذن، وقال: «انتهيتم ؟ قال الجميع: نعم، فقال : المشكلة ليست مشكلة هؤلاء الذين شوهوا الشوارع بملصقاتهم، واستغلوا الناس بجشعهم وطمعهم المشكلة في البيت والمدرسة، لماذا يلجأ الطلبة والطالبات إلى المدرسين الخصوصيين أهو ضعف في المدرسة ؟ نعم: أهو تقصير من البيت ؟ نعم، ولكن لماذا لا نعالج هذه الظاهرة في مجتمعنا، لقد أصبح الطلاب والطالبات جميعاً بحاجة لمدرسين خصوصيين بين مدرس مهمل، ومدرسة مهملة، وطالب وطالبة مقصر، ويعلم أن والديه لن يترددا في جلب معلم له في نهاية الفصل الدراسي حتى وإن أرهقهم بدراسته في مدارس خصوصية !!
والعلاج يكمن في وزارة التربية والتعليم لتلافي القصور والقضاء على فوضى المدارس الخصوصية، وهي أن تنظم الوزارة موضوع دروس التقوية في المدارس مساءً للطلبة والطالبات سواء في المدارس الحكومية أو الأهلية ويلحق بها الطلبة والطالبات الذين هم بحاجة إلى التقوية ويؤخذ من الملتحقين بهذه الدروس مبالغ يسيرة وحصيلتها تكون للمدرسين والمدرسات الذين يقومون على الدروس وهذا علاج للحالة وليس علاجا للمشكلة وجذورها.
خاتمة : عرضت عليكم هذا الموضوع وأنا أسوق المقترح لوزارة التربية والتعليم لعلنا نسمع صوتها في هذا الجانب، وبقي جانب آخر في حديثي عن الموضوع، وليس هذا وقته ألا وهو آداب المجلس، وقد عرضت عليكم بعض الصور السلبية لمجالسنا وعدم حسن الإنصات والاستماع ومقاطعة المتحدث.. الخ .. فإلى هذا الموضوع في مناسبات قادمة.
alomari1420@yahoo.com