ربما لن يكون في قدرة الإنسان أن يحيا بمفرده..، وربما أن عليه أن يمتزج بما حوله..، وربما من البديهة أنه يميل للتمازج والتزاوج..، وربما أن من المعقول أن يتقبل مشاركة الآخر له في الهواء، والماء، وظلال السماء، ونورها، مع أنه تماما يعلم أن شبرا من الأرض، لن يتفرد به ما لم يقدم له..، وأن ارتفاعا فوقها لن يناله دون مقابل يدفعه، لكنه بكل ثقة حين يضع يده على رأسه فإن ما فيه له، وحين يتلمس بها صدره فأي خفقة تخصه، وحين يمد قدمه فحيث يريد، وحيث يشاء يضع يده، وكل ما يرد ويصدر عنه فهو موسوم به، موصول إليه خيط منتهاه،..
هذه البوتقة في جوفه، وحدة ذاتية متكاملة، مترابطة، تمثله بخير ما فيها، وبسوء ما فيها، وكل ابن آدم، ميَّال للثقة في صوابه، وصدقه، ومحاسنه، وقليل من البشر، من يقوى على ذاته، فيحاسبها، ويقومها، ويصدق في تقييمها..، لكنها تبقى ذاتا متحدة،..
غير أن هذه الذات المفردة، تسللت إليها زواحف عابثة، مرت بحجراتها، فغيرت ترتيبها، لامست ثراها، فصبت عليه من محابرها، اتكأت على دعاماتها، فشرخت جدرانها،..
وكل عابث لا محالة فاعل..،
وكل منتهَكٌ لا ريب مثلوم..،
لذا تفتت وحدة الذات...، وتشظت أشطارا..، وذهب كلٌّ، يبحث عن ذاته..،
ضياع المرء من ذاته منتهى التيه والضلال..،
والسارقون يعيثون في أروقة الدواخل..، حتى عاد المرء ليضع يده على رأسه، يهزها عبثا فلا يجد جوابا..، وعلى صدره فلا يشعر انتماء..، ضاقت المسافات بينه، وبين دواخله، وأسدلت بينه، وبينها حجب من غربة..،
إنسان الزمن المكتظ، الذي يعيث ازدحاما، وغوغاء تغرَّب عن ذاته.. إذ تفتتت بينهما الأواصر.. وبشكل حاد توالد الداء، لذا أشرعت المصحات، وخُتمت الوصفات بالحبر الأحمر..، وزادت الشكوى من الصداع، والفوضى، وعز الدواء..