تتزاحم المهرجانات على خارطة الاحتفالات بمدينة عنيزة فلا يكاد ينتهي مهرجان حتى يبدأ الإعداد لآخر، تفتح أبواب الترفيه والثقافة على مدار العام إيمانا من أهلها بأن الاحتفال هو شريان يمد |
المدن بالحياة الحقيقية ويعطي مؤشرا على حيويتها، ولأن الاحتفال والتجمع البشري لغرض مبهج وسعيد فطرة بشرية والأمم المتقدمة تزاول الاحتفاء بثقافتها وتتمسك بقيمها وفلكلورها وهويتها فإن أهالي عنيزة عرف عنهم أنهم يتلقون (ركبان) المناسبات ليكرموا وفادتها، بل ويبتكرون الجديد ليجعلوا منها بساط ريح للفرح يطوف فوق كثبانها وأحيائها ليتيح لهم ان يمارسوا بعفوية طقوس الفرح البريء والمبهج. |
الآن تستعد عنيزة لمهرجان الغضا الذي بدأ منذ العام 1428ه. والغضا ليس شجرة يتم تقطيع أوصالها ل(شبة النار) عندما تقف شامخة على حواف (الوجار) دلال القهوة المهيلة والتي تغنى بها شاعر عنيزة ومتنبي الشعر الشعبي محمد القاضي في قصيدته عن القهوة عندما قال (أحمس ثلاث يانديمي على ساق ... ريحه على جمر الغضا يفضح السوق) انه في عنيزة حكاية تحكيها الأرض تختلط معها الجغرافيا بالتاريخ لذلك أحب سكانها الغضا كما أحبوا النخلة وأقاموا لها مهرجانا متميزا. |
الغضا في عنيزة هو حكاية السامري وطبول تصافح الاكف عندما يغني اهلها لليل والقمرا وعندما تتناوب الحناجر في غناء قصيدة مثل (يا ذيب يا للي هاضني بعواه.. قبلك وانا عن صاحبي سالي).. في مخيماتهم و(كشتاتهم) مستندين إلى جذع شجرة غضا غنوا أزمانا طويلة حولها فاسمعوها سامرياتهم وأحاديث سمرهم، لكن وفي لحظة فراق غيرمتوقعة، وجدوا ان الغضا يعلن الرحيل بعد ان أزهقت أغصانه يد الاحتطاب الجائر ! عندها أعلنت حالة الطوارئ وسنت القوانين وبدأت الدوريات لمنع رحيل الغضا عن ارض احبها وأحبته، ومن أجل ذلك قرر الاهالي أن يقيموا مهرجانا شعبيا للغضا لعله يعود عن قراره المفاجئ خاصة عندما رفع عقيرته بعد ان اعتلى نفود (المغيسلية) منشدا بيت المتنبي: |
اذا ترحلت عن قوم وقد قدروا |
ألا تغادرهم فالراحلون همو |
فكان المهرجان الذي جاء ليسترضي الغضا ويطلب منه عدم الرحيل ومعبرا له عن آسف الأهالي لما أصابه وتعهد منهم بأن يحافظوا على الود القديم وأن يبقى في حمى الكثبان الذهبية إلى الأبد، ولكي يطمئنوا الشجرة بأنهم عازمون على بقائها فقد وفرت البلدية في مخيمها الماء والحطب (مجانا) لكل المخيمات لكي يجد المتنزهون بديلا عنه! وفي إضافة نوعية على المهرجان فإن صناع هذا النجاح الترفيهي والبيئي غير المسبوق زرعوا ما يقارب من(65) ألف شتلة ليعلنوا للأرض انهم قادرون على تعويضها ما فقدته ولتحفظ البيئة توزانها الطبيعي.. |
وفي هذا العام سيشتمل المهرجان على العديد من الفقرات والبرامج المميزة وسيتخذ طابعا تراثيا يرجع بنا إلى الوراء وبالتحديد إلى العام 1365 هـ وهو فكرة مبتكرة وبالتأكيد احتاجت إلى جهد بحثي ووثائقي لتعيد رسم صورة ربما لايعرفها الكثيرون عن شخصيات ذلك العام وأحداثه وغيرها من عناصر يمكن أن يتم تقديمها بشكل فلكلوري ووثائقي ليضفي على المهرجان تميزا وتفردا لا يعجز عنه المنظمون، بقيت نقطة مهمة فأنا أتوقع من المهرجان أن يتخذ من الغضا (شعارا) على مطبوعاته وفعالياته ويجسد له مجسما في مخيماته كذلك المجسم الذي أهدي لخادم الحرمين الشريفين وقبله حفظه الله وشكر الاهالي على جهودهم. لعل ذلك يساهم بشكل اكبر في التوعية البيئية لتكون الشجرة حاضرة ليس في مسمى المهرجان ولكن في مضامينه أيضا ! أن المحافظة على البيئة بكافة عناصرها ميزة الأمم المتقدمة ووقوف أهالي عنيزة ومؤسساتها جنبا إلى جنب مع الصفوف المتقدمة دوليا في المحافظة على البيئة هو ما يجعل هذه بمدينة تستحق جائزة المحافظة على البيئة وقبل ذلك تستحق من هيئة السياحة والآثار دعما كبيرا لجهودها ومؤسساتها وأفكار أبنائها المبدعين والحريصين على التميز. شكرا لمحافظها الذي لا يهدأ إلا بعد أن يبدع ويخطط فهو دائما في مقدمة المخططين والمنفذين وشكرا للبلدية والزراعة واللجان المشرفة وكل الجهات التي ستتحفنا بمهرجان ننتظره على أحر من (جمر الغضا) قبل أن يحصل على حق اللجوء البيئي في عنيزة! |
|