ثلاثون عاماً مضت على قراءتي للكتاب الشهير (دع القلق وابدأ الحياة) لمؤلفه ديل كرنيجي، خلالها كرَّست كثيراً من قراءاتي في الفكر الإستراتيجي، كنت شديد الإعجاب بالكتاب الذي طبع مئات المرات
وترجم إلى عشرات اللغات، لكني اليوم شعرت بأني قد تجاوزته، ما أن قرأت الصفحات الأولى حتى أدركت بأني اختلف معه ولا أخالفه، وطرحت بعض الخواطر أوجزتها في عبارة واحدة (ابدأ القلق واستمتع بالحياة).
إن الإنسان بطبعه حزين على ما فاته، فرح بما أتاه، لكنه يشعر بالقلق على ما هو آت، فإذا لم تشعر بالقلق على المستقبل فإنك لن تحقق أهدافك، ولن تستمتع بحياتك، ولن تصل إلى أمانيك، فعليك أن ترسم أهدافك، وأن تسعى إليها وأن تشعر بالقلق تجاهها.
فالقلق لا يعني عدم السعي في الوصول إلى ما رسمته لنفسك في المستقبل، لكن حذاري أن يتحول القلق لديك إلى وسواس يؤرقك فيؤدي بك إلى الكآبة أو يقودك إلى الوهم القسري، عليك أن تحاول جهدك أن تتحكم في أحلامك لأنها سوف تتحول إلى أفكار، وأن تحول الأفكار إلى كلمات، ترجم الكلمات إلى أفعال، ارسم الخطة التي تصل بك إلى أهدافك.
يجب أن لا تكون خطتك التي رسمتها صارمة كالخط الحديدي، بل دعها تكون أكثر مرونة مثل عربتك التي تسير بها إلى عملك، وإلى قضاء حوائجك لأنها سوف تأخذك من أفضل الطرق وتتحاشى بها الزحام والمفاجآت، مع الحرص على الوصول لنفس المكان وفي نفس الزمان الذي حددته.
إننا عندما نشعر بالقلق على مستقبلنا، ونشحذ الهمم، ونسخر الإمكانات، فإننا نبعد عن أنفسنا القلق المشوب بالخوف والوجل، عندها نشعر بالسعادة مع كل إنجاز نحققه.
دع عنك قول المتحذلقين الذين يهمسون في أذنيك ويرددون عبارات محبطة، مثل: إنسَ الماضي، تجاهل المستقبل، عش ليومك، لأن الذين تقبلوا هذه الوصفة لم يحققوا شيئا من النجاح في حياتهم ولم يحصلوا على السعادة، بل اتخذوا الهرب وسيلة للانصراف عن الواقع.
عليك أن تتذكر نجاحاتك، وانجازاتك التي مضت، وأن تكررها بشكل غير مبتذل، رددها على مسامع من تحبهم ويحبونك من الأصدقاء، والأحباب، والإخوان، والأبناء، فإنها المحرك الأساس الذي يدفعك إلى النجاح، ويشيع السعادة في حياتك، أما المستقبل ففكر فيه بجد وخطط له بإصرار، واحرص على الوصول إليه، وعش حاضرك بأمل الغد واجعل يومك مشرقاً.
مع طلوع الفجر، ابتسم واسأل الله أن يكون يومك سعيداً، حاول أن تضع في ذهنك الأعمال التي ستنجزها، واحرص على تحقيقها وتأكد بأنها تحقق الخير لك ولغيرك، وفي نهاية اليوم اسأل نفسك: ماذا أنجزت؟
راجع المكاسب المادية والمعنوية التي حققتها وتساءل: كم كسبت من الأصدقاء؟ كم ساعدت من المحتاجين؟ كم اكتسبت من الخبرات والمعارف ثم راجع أخطائك، اعتذر لنفسك عنها، وابحث عن إصلاحها، واعقد العزم على عدم تكرارها.
حاول أن ترسم الصورة التي ترغب أن تكون عليها في المستقبل، فالله عز وجل خلقنا على هذه الأرض لكنه سمح لنا أن نرسم صورنا التي نرغب أن نكون عليها، فمنحنا طاقات ذهنية وبدنية يجب أن لا نهدرها ولا نعطلها، بل نوظفها لحاضرنا ومستقبلنا، علينا أن نكتشفها في ذواتنا، وأن نوظفها لنجاحنا ومساعدة الآخرين، فإن أهملناها فإننا سوف نخسر الكثير.
عندما تصل إلى هدفك الذي رسمته، حاذر أن تقف، ابدأ بتحديد هدف آخر أكثر سموا وأعظم نبلاً لأنك إن استسلمت انتهيت وركنت إلى نفسك، فقد قيل: (كثيرون هم الذين يصلون إلى القمة ثم يستسلمون إلى النوم، فلا يلبثوا أن يهووا إلى القاع).
اكتشف نفسك، تعرف على قدراتك، وظفها للوصول إلى أهدافك، ضاعف من مهاراتك، وسع دائرة المعرفة، وابحث عن إمكانات جديدة تعينك على مسيرتك ونجاحك.
مر أعرابي من بدو القصيم على راحلته برجل في الصحراء مستظل بظل شجرة متوسدا حجراً ممسكاً بعصاته ينكث بها الأرض، سلم عليه الأعرابي فرد عليه السلام فدعاه إلى الجلوس معه ليستريح ويريح راحلته، نزل الأعرابي وجلس إلى جواره وتجاذبا أطراف الحديث.
قرر الأعرابي مواصلة السير، قال له الرجل ماذا تحمل على ظهر بعيرك؟ قال الأعرابي أحمل في أحد الأطراف تمراً وفي الآخر حصاً، قال له الرجل لماذا الحصى؟ فقال: لأعدل به الشداد، قال له الرجل لماذا لا تقسم التمر بين الخرجين وتترك الحصى فتريح بعيرك؟ فكر الأعرابي فوجد لمحة ذكاء في المقترح، عندها عمد إلى بعيره فأناخه، وأنزل الشداد فأفرغ الحصى في الأرض، ثم وزع التمر على الخرجين وحملهما على بعيره بعد أن شكر الرجل على مقترحه بعدها همّ بالمغادرة، ما أن استقر على ظهر البعير عازماً على المسير، حتى نظر إلى الرجل ثم سأله، ماذا تملك من متاع الدنيا؟ قال له الرجل عصاتي فقط، فقال الأعرابي: أما أنا فأملك البعير والتمر والزوجة والأبناء والبيت والأرض.
ثم ترجل الأعرابي عن بعيره وأعاد التمر إلى أحد الخرجين، وملأ الخرج الآخر بالحصى، ثم التفت إلى الأعرابي، قائلاً: إذا لم ينفعك عقلك الكبير فدعني وما حققته بعقلي الصغير.
رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والقانونية