قبل عشرة أعوام تقريباً (1421هـ) أصدر الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما كان ولياً للعهد خطاباً تاريخياً موجهاً لجميع مسؤولي الدولة التنفيذيين والذي كان يعد بشرى كبيرة للمواطنين، ويبرز هذا الخطاب مجموعة قضايا...
ويعبر بشكل خاص عن معاناة ولاة الأمر أمام بيروقراطية العمل الإداري الحكومي التي تتفاقم يوماً بعد يوم، وتنمو تعقيداتها مع تطور أحوال الناس وتشابك المصالح العامة والخاصة. ولا شك أن هذا الخطاب يعد وثيقة وطنية في بالغ الأهمية لما يجسده من خدمة واضحة للمواطنين ويصب في مصلحة وطنية عليا، بما يقتضيه من الرد على استفسارات عن قضايا ومشاكل المواطنين ومعاملاتهم خلال سبعة أيام من قبل الجهات التنفيذية في الدولة..وتتمحور القضية الأساسية في هذا الخطاب السامي في تأكيد وضرورة الالتفات إلى مصلحة المواطن، باعتباره مرتكز الدولة وقاعدتها الأساسية.. وتأكيد أن المصلحة العليا للدولة تتأثر إذا لم يعط المواطن حقوقه وتراعى مصالحه.. وهذه القضية هي جوهر الخطاب ومحوره الأساسي، وكذلك مناسبته وسياقه، ومنطلقه وإطاره العام.. وهذه القضية تتجسد في عبارة «إضرار بسمعة الدولة»، حيث ربط الخطاب بين مصالح الدولة العليا من ناحية ومصالح المواطنين من ناحية أخرى.. وهذه قاعدة سياسية معروفة لكن التأكيد عليها يضفي أهمية كبيرة لها..ويتفرع من هذه القضية استنتاج غير معلن في الخطاب، ولكنه مدرك من خلال التجربة والشواهد، أن أولياء الأمر في بلادنا حريصون أيما حرص على مصالح المواطن وحفظ حقوقه وتعزيز ما من شأنه خدمته وتسهيل أموره وشؤونه الحياتية.. وثنائية المصلحة الوطنية والمصلحة المواطنية هي ثنائية أساسية بنيت عليها أسس الدولة السعودية والحمد لله.. فمصلحة الوطن هي مصلحة للمواطن ومصلحة المواطن هي كذلك مصلحة وطنية عليا..
وبعد عشرة أعوام من هذا الخطاب التاريخي، نتساءل: ماذا تم وماذا لم يتم؟ ولا شك أن جهوداً قد تمت في هذا الخصوص، تتوجت بأتممة النظام الإداري في كثير من مؤسسات الدولة، وتيسرت أرقام مجانية لمتابعة معاملات المواطنين، ومعرفة مسيرتها وحركة العمل فيها.. ولكن لا تزال هناك أسئلة كثيرة ومساحات كبيرة لم تستوعب هذا التوجيه السامي بالشكل المطلوب.. فمعادلة السبعة أيام لم تصبح هي المعيار كما أشار إلى ذلك الخطاب السامي. صحيح أن التسريع في بعض المؤسسات أصبح السمة السائدة، وبخاصة فيما يتعلق بمعاملات تصل إلى الجهات العليا في الدولة مثل الديوان الملكي أو ديوان سمو ولي العهد أو مجلس الوزراء.. ولكن ما دون ذلك يبقى مجرد اجتهادات فردية أو ممارسات غير منضبطة بالوقت أو الموضوع..وما نحتاجه اليوم هو إعادة النظر في الموضوع مرة أخرى، وبث القوة فيه من جديد في ضوء معرفة مدى التزام جميع (وأؤكد هنا على كلمة جميع) أجهزة الدولة بهذا التوجيه السامي.. ونعلم أن كثيراً من الأجهزة قد عملت واجتهدت والبعض حالفه الصواب، والبعض الآخر لم يحالفه الحظ أو ربما لم تتيسر أموره كما ينبغي أن تكون.. وهذه التجارب الكثيرة والمتنوعة في الحجم والنجاح أولى بها أن تدرس وتناقش في محفل عام ومؤتمر مفتوح للاستفادة من مثل هذه التجارب.. ولا شك أن التحول إلى مفهوم الحكومة الإلكترونية قد أفاد كثيراً من الأجهزة وهو جزء من المفهوم الإداري الذي يطرحه التوجيه السامي.. ولكن هناك تجارب ناجحة في بعض الأجهزة أولى بالجميع أن يطلع عليها ويستفيد منها..
وما أقترحه في هذا السياق يتمثل في مجموعة من الأفكار، يمكن تلخيصها على النحو التالي:
1- التوجيه السامي الكريم قبل عشرة أعوام كان له دور محوري في إصلاح مشكلة من أهم المشاكل التي تواجه المواطنين، والتي تتمثل في تعطيل أمورهم ومعاملاتهم وقضاياهم.. وبعد هذه المدة نحتاج إلى التجديد على أهمية هذا النهج الرسمي للدولة. وربما يأتي ذلك بخطاب آخر أو تنويه جديد في مجلس الوزراء أو أي طريقة أخرى يكون لها صدى كبير وعملي في الواقع الإداري السعودي.
2- تنظيم مؤتمر وطني تتبناه إحدى الجهات الحكومية لدراسة تطبيقات هذا التوجيه ومناقشة التجارب المختلفة التي تمت، ولا بأس من معرفة تجارب عربية ودولية في هذا السياق.
3- بناء آلية عمل واضحة في طريقة التعامل مع المواطنين وقضاياهم ومشاكلهم العامة والخاصة، وتكون مكرسة بوضوح في لوائح وأنظمة الدولة. وهذا يتم ربما بعد عقد مثل هذا المؤتمر الوطني وتبني التوصيات التي قد يقترحها المؤتمر.
4- هناك جانب آخر مختلف ولكن له علاقة بالموضوع.. فهذا السياق العام يركز على الشكل الخارجي العام للتعامل مع المواطنين، ولكن ربما نتجه في مرحلة قادمة إلى مضمون التعامل مع المواطن.. فقد تتحرك معاملته سريعاً، ولكن المضمون قد يكون مخيباً لآمال المواطن.. أو غير متوقع.. فلو تم وضع آليات واضحة مبنية على سوابق من التعاملات الرسمية العليا لتكون هي المعيار الذي نبني عليه صيغاً عملية في تعاملات الأجهزة الحكومية مع المواطنين.. فمثلاً - وهذا للتوضيح فقط - إذا تم استثناء حالة من الحالات في موضوع، فيمكن أن نبني عليها مبرراً نظامياً للتعامل مع حالات مشابهة إذا كانت الظروف متقاربة.. وهكذا فلو وصلنا إلى صيغ «قرارات معممة» لكان من الأولى تبنيها وتصبح جزءاً من النظام العام للدولة. وسيساعد مثل هذا الإجراء في عدم تصاعد القرار إلى الجهات العليا، حيث يمكن أن تعتمده الجهات التنفيذية الصغيرة في مختلف المناطق..
وأخيراً، نحن نعلم المكانة التي يحتلها المواطن السعودي في قلب الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله.. وهذه الأمور من المسائل المهمة التي نكسب بها المواطن واستقراره وراحته النفسية.. كما هي جزء من مهام الدولة في تذليل العقبات والصعوبات التي تواجه المواطن في حياته العملية.. فلم يكن مستغرباً أن يتجه نظر الملك عبدالله منذ أن كان ولياً للعهد إلى هذه المسألة الإدارية الهامة.. كما نذكر إلى الإعلان الشهير لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما قال «مَنْ نحن بدون المواطن السعودي؟» والتي أصبحت منهج عمل وبرنامج دولة.. وهذا يضيف إلى اهتمام الملك عبدالله بالمواطن كعنصر محوري ومكون جوهري في منظومة الكيان السياسي للدولة.
المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية
أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود
alkami@ksu.edu.sa