Al Jazirah NewsPaper Friday  29/01/2010 G Issue 13637
الجمعة 14 صفر 1431   العدد  13637
 

التحذير من العضل الخطير
عبيد بن عساف الطوياوي (*)

 

في لحظاته الأخيرة ينازع أنفاسه، وابنته البالغة من العمر فوق الأربعين سنة عند رأسه، ينظر إليها بطرف عينه قائلاً: فلانة! فتجيبه: أن نعم! فيقول ونفسه تقعقع: أحليني يا ابنتي! فتنزل دمعتها على خدها، وتتردد الحسرة في صدرها؛ وتقول بصوت خافت: لا أحلك أبداً، كيف أحلك، وأنت السبب في حسرتي وندامتي، كيف أحلك، وأنت السبب في شقائي وتعاستي! حرمتني حقي في الحياة، لم أضع طفلاً على صدري، لم أستأنس ببكاء صبي في حضني، ليس لي زوج ألاعبه، ويلاعبني، أحبه ويحبني، حرمتني الزواج حرمك الله الجنة، فاذهب واللقاء يوم القيامة، بين يدي عدل لا يظلم، وحكم لا يهضم، لن أترحم عليك، ولن أرضى عنك حتى نلتقي بين يدي الحاكم العليم.

هذه قصة فتاة أمثالها في المجتمع كثير، فكم من فتاة تتمنى موت والدها، وكم من فتاة تود أن لو نشأت يتيمة لا ولي لها، وكم من فتاة تدعو الليل والنهار على أهلها، والسبب منعها من الزواج! لأن الزواج ضرورة حياتية، وبخاصة للمرأة، الذي فطرها الله - عزَّ وجلَّ - لتكون أمّاً وزوجة، ولن يتحقق لها ذلك إلا بالزواج، فوجود المرأة مع زوج لها، لا عوض له، لا تعوضه وظيفة، ولا أرصدة، ولا شهادات، ولا سفرات ولا غير ذلك.

تقول إحداهن، وقد بلغت من العلم والشهادة والمنصب مبلغاً كبيراً، حيث نالت شهادة الدكتوراه في الطب، ولكنها لم تتزوج! فتقول: خذوا شهادتي، خذوا مالي، وأعطوني زوجاً، عيادتي؛ زنزانتي ومدفني، معطفي لباس حدادي، سماعتي في عنقي، حبل مشنقتي، خذوا كل ذلك واسمعوني كلمة: ماما، وتنشد قائلة:

لقد كنت أرجو أن يقال طبيبة

فقد قيل فما نالني من مقالها

فقل للتي كانت ترى في قدوة

هي اليوم بين الناس يرثى لحالها

وكل مناها بعض طفل تضمه

فهل ممكن أن تشتريه بمالها

فلا شيء يعوض المرأة عن زوجها، الفتاة قد يحبها والدها ويبالغ في ذلك، ولكن حبه لها ليس كحب زوجها، وقد يرحمها أخوها ويعطف عليها إلى حد ما، ولكنه ليس كعطف ورحمة زوجها.

لذا فإنه من الظلم أن تمنع الفتاة من الزواج، أو يؤخر زواجها دون مبرر شرعي، يقول الله عزَّ وجلَّ: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، ويقول ابن عباس - رضي الله عنهما -: «رغبهم الله في التزويج، وأمر به الأحرار والعبيد، ووعدهم عليه الغنى». فتأخير زواج الفتاة دون مبرر شرعي ظلم، بل هو العضل المحرم الذي حذّر الله سبحانه وتعالى منه، فقال تعالى: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}، وقال سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ}.

إن هذه العادة الجاهلية ما زالت عند كثير من الناس، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه -، الذي رواه الإمام مسلم، حيث قال - صلى الله عليه وسلم-: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن» وذكر من الأربع: «الفخر بالأحساب، والطعن بالأنساب». الفخر بالأحساب: الافتخار بمفاخر الآباء، والطعن بالأنساب: إدخال العيب في أنساب الناس من باب التحقير والإهانة، وهذه من أبرز أسباب عضل النساء في وقتنا الحاضر. بعضهم لو جلست ابنته عانساً حتى الموت، ولا يزوجها لهذا السبب الجاهلي، ولكن العقلاء والأتقياء يدركون أهمية تزويج بناتهم، ولذلك عرض الشيخ الكبير إحدى ابنتيه على موسى - عليه السلام - كما في قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ}، وعرض عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ابنته حفصة على أبي بكر ثم على عثمان - رضي الله عنهم - وتزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فحري بالمسلمين أن يرجعوا إلى الدين الحق والإسلام الصحيح، وينبذوا عادات الجاهلية، ويحذروا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة، وللمظلوم دعوة مستجابة وكما قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه - أي زوجوه - إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).

إن ظاهرة تأخير الزواج، ظاهرة سيئة، بل ومخالفة لما جاء به الدين، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في الحديث الصحيح: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء). ففي هذا الحديث، يحث - صلى الله عليه وسلم - على المبادرة بالزواج، ويحذر من تأخيره، ويشير فيه - صلى الله عليه وسلم - بأنه أغض للبصر وأحصن للفرج، فمن استطاع الباءة وحرم من الزواج فإنه على خطر عظيم، ومعرض لعدم غض البصر ولعدم إحصان الفرج، بل قد يقع بالفساد الكبير الذي أشار إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث السابق: «إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير». وقد صدق صلى الله عليه وسلم، ولنتأمل مجتمعنا في الماضي، حيث كان الناس يتزوجون ويزوجون في سن مبكرة، نجد العفاف والصلاح والتقى والالتزام والتكاثر، وعدم الشذوذ، وقلة المسافرين، أما الآن، فها هي الثمار المرة بين أيدينا، امتلأت البيوت من العوانس، واكتظت السجون بالنزلاء، وكثر القصاص، وانتشر اللواط، وتنوعت الأمراض النفسية، وعق الوالدين وبخاصة الآباء، وقطعت الأرحام، وأي شيء أعظم من: حرمك الله الجنة كما حرمتني الزواج.

فلنتق الله - عزَّ وجلَّ - ولنبادر في تزويج فتياتنا، ولنحذر الأسباب الواهية، فلا يمنعنا نسب ولا حسب ولا وظيفة ولا منصب ولا مهنة إلا ما كان مخالفاً لشرع الله تعالى، ولنحذر الفتنة والفساد الكبير.

(*) حائل


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد