من الأماكن ما تغادره لكنه لا يغادر ذاكرتك لأنه علق بكل تفاصيله فيها.. تحاول بعد ذلك أن ترسم له ملامح تشاركك فيه حميمية المكان وما كانت همست لك به خلسة في لحظة حلقت فيه بعيداً حيث أخذك إلى عمق الماضي وإلى تفاصيل ساق التاريخ بعضها عبر مادة جامدة تحولت إلى كائن يشرب ويتنفس معك بعد أن لامستَ بعضه في دارة استطاعت أن توثق له وتحتفظ بذاكرة الماضي وعبق أبطاله.
دارة الملك عبدالعزيز مبنى عصري يجمع كماّ هائلاً من التراث.. وكل ما يحاول العاملون عليها أن يوثقوا به تاريخاً مجيداً وعهداً لم يكن من السهل أن تقرأه مجرد قراءة سريعة دون أن تستلهم بما بقي منه في الدارة عظمة ذلك العهد.
عشقي للتاريخ كثيراً ما ساقني لأماكن تحمل عبقه.. وقراءة التاريخ تصبح أشهى إذا ما كان لديك بعض أشياء أبطاله في صيغة كتاب أو شيء ملموس.
في دارة الملك عبدالعزيز مكتبه الذي أهداه له رئيس أمريكا عربون محبة، ومكتبته التي لم تدهشني كل المحاولات التي كانت لجمعها، لتؤكد أن عظمة موحد المملكة وانتصاراته كان وراءها ثقافته واطلاعه وحبه لصحبة الكتب وفكر أصحابها.
محاولات كثيرة اليوم لاستعادة التاريخ.. ولتوثيقه والحفاظ على ما بقي لنا منه.. وما أعذب رحلة الماضي وحكاياه إن ساقتها بعض أشياء الماضي الملموسة التي لطالما تسعى الشعوب والحكومات جاهدة أن تحتفظ بها.
يثير إعجابي هوس الغربيين في الآثار والأماكن التاريخية والأثريات التي يشترونها بآلاف الدولارات، واهتمامهم الشديد بهذا الجانب، بل سفرهم في أصقاع الأرض لمتعة الاطلاع على الأماكن التاريخية التي ربما تفتقر إليها بلادهم وتفيض بها ديارنا ويقل اهتمام الجيل الحاضر بها.
حين أزور المدن أختار منها تلك التي بقيت لها ملامح بين أسوار ماضيها.. وقد قُدّر لي أن أزور العاذرية والجنادرية ليدهشني كل الجهد الذي قام به العاشقون لتاريخ هذا البلد لاستنساخ مدن تاريخية تشبه أماكن ومناطق لها ذات الطابع القديم بكل التفاصيل الصغيرة والكبيرة. يعشق المؤرخون والمهتمون بالتاريخ والسياح أيضاً والباحثون زيارة بلادنا العربية لما فيها من كنوز يحزنني أن أبناءنا لا يدركون قيمتها الحقيقية.. ويسعدني أن هناك الكثير من الجهد لتوثيق وجمع التراث من قبل جهات عديدة وعشاق لهذه الذاكرة ومن قبل مؤسسات كدارة الملك عبدالعزيز تسعى لتجعل منه ذاكرة وطنية وموروثاً ومرجعاً تاريخياً.
ولعل جائزة أمير التاريخ سلمان بن عبدالعزيز لرواد تاريخ الجزيرة العربية قبل أيام انتصاراً لتاريخ المملكة وتقديراً للفرسان الذين شغلهم تاريخها وتراثها فكرمهم من شرفت الدارة بجهده ومتابعته لجهودها.
من آخر البحر
كل الذي لا نستطيع وصالا
نحن لنسكن أطلاله
«نمد الحنين إليه يدا»
تعانق أشواقنا ما تركنا
نئن.. تئن بنا الذكريات
وكل الذي كان منا سيبقى..
ونبقى..
maysoonabubaker@yahoo.com