في حديثنا حول الوصية التي وردت من الشيخ أحمد من المدينة المنورة، دون أن يبين من يكون أحمد هذا الذي لا يستطيع أن يكشف عن نفسه لأنه ينسب كلاماً للرسول صلى الله عليه وسلم معتمداً على الأحلام، أوضحنا ما ورد في تلك الوصية، وهي تأتي في السياق نفسه الذي جعل ثلة من المتطرفين يعتقدون بظهور المهدي «المنتظر» بقيادة المدعو جهيمان العتيبي الذي قام باحتلال الحرم المكي الشريف دون أي مراعاة لحرمة هذا المكان المقدس ولحرمة شهر المحرم من العام 1400ه. هذا التصرف حصل بناء على رؤيا، هي الأخرى كما حصل للمدعو أحمد الذي قام بتوزيع هذه الوصية، حيث كان جهيمان وأتباعه يرون في منامهم ظهور المهدي، وتكررت تلك الرؤيا على أكثر من شخص منهم، بأن المهدي هو محمد عبد الله القحطاني، صهر جهيمان، الأمر الذي أدى إلى إيمانهم الكامل لهذه الفكرة. وهو كما قال الكاتب ناصر الحزيمي في اعترافاته في لقاء خاص معه في قناة العربية في برنامج صناعة الموت -حيث كان أحد أعضاء هذه الجماعة- أن الجوعى على سبيل المثال جميعهم سيحلم بالطعام، هي ذات الفكرة عندما يتشبع أي إنسان بفكرة ما، ويقنع بها عقله الباطن تتحول إلى حقيقة في حياته، وتراوده أينما حل أو ذهب، في أحلامه، وفي يقظته، وفي كافة أوقاته. المسألة يا أعزائي تخضع للاقتناع بتلك الفكرة، تلك الثلة كانت تؤمن بظهور المهدي المنتظر في هذا الوقت بالذات، حيث أن هناك نصوصاً تسند فكرة ظهور مصلح على رأس المائة عام، وجاء توقيت بداية القرن الخامس عشر الهجري الحالي نواة مثلت حقيقة في أذهانهم، ولأنهم كانوا يتذاكرون هذا الأمر ويتدارسونه، بدأت هذه الأفكار تراودهم، وعندما رآها في المنام أحدهم حدث بها بعض أصحابه، فبدأت الرؤيا تنتشر بينهم، وهنا سر استمرار تكرر تلك الرؤية على أكثر من شخص من الجماعة نفسها، فلماذا لم ير هذه الرؤية آخرون، من الصالحين من خارج هذه الثلة؟
وعموماً الجماعات المتطرفة لا تعتمد على إعمال العقل الذي يدعو إليه القرآن الكريم في تدبر آيات الله، وفي النظر إلى الكون وتدبر الآيات الكونية، والاعتماد في تأويل النصوص على كل ذلك، وعلى ربطها بالواقع الذي نعيش، وليس الاعتماد على تأويلات فقهية قديمة، ارتبطت بظروف وأحوال تختلف كل الاختلاف عما يعيشه إنسان هذا العصر في عصر العولمة، وعصر ساد فيه قانون المال، والنظام الرأسمالي، وسياسات الأمم المتحدة، والمواثيق الدولية، في عصر الفضاء، وعصر العلم، وعصر الاكتشافات والاختراعات، والفضاء المفتوح الذي يبيح المعلومة للجميع، صغيراً كان أم كبيراً، ولم تعد خاصة بفئة من البشر كما كانت في أوقات سابقة، هذه الأمور مجتمعة تجعل المسؤولية كبيرة تجاه كافة من يتصدون لقضايا التأويل للنصوص الدينية في وقتنا الحالي.
Kald_2345@hotmail.com