Al Jazirah NewsPaper Thursday  28/01/2010 G Issue 13636
الخميس 13 صفر 1431   العدد  13636
 
شيء من
فضائيات المتطرفين
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

يتجه الفكر المتشدد في الآونة الأخيرة إلى القنوات الفضائية للترويج لخطابه أو الدفاع عنه. هناك عدة محطات فضائية تزخر بالتشدد والمتشددين، سواء من السنة أو الشيعة، يمتلئ بها الفضاء الآن. وقد يرى البعض أن هذه المظاهر خطرة، وسيكون لها تبعات على المستوى المحلي والإقليمي لا يعرف إلا الله مآلاتها. وفي تقديري أن التشدد وظاهرة التراشق المذهبي ظاهرة موجودة منذ أن تفرّع الإسلام إلى فرق ومذاهب، وليس ثمة جديد. غير أن ظهور هذه الحركات من خلال وسائل الإعلام فوق الأرض، أفضل بكثير من بقائها أسفلها. هذه القنوات بمجرد أن يكون لها كيانات معروفة، وملاك، ومستثمرون، ومدراء، وأرباح وخسائر، وموظفون وعمال، وبيوت تعيش من دخلها، ستدخل حتماً إلى التفكير في المصالح الاقتصادية، وعندما يكون لدى الإنسان ما يخسره (يحسبها صح). فالإيغال في التشدد يعني أن هناك احتمالاً أن يخسر الممولون استثماراتهم، وتغلق القناة، أو تعتذر الأقمار الصناعية التي تبث من خلالها عن استضافتها. لذلك فإن إدارة القناة التي أنشئت في الأساس للدفاع عن خطاب التشدد ستجد نفسها مضطرة إلى الاعتدال، والبعد عما يُدينها، ويهددها بالإقفال، فتضطر إلى أن تتبنى خطاباً معتدلاً وتدافع عنه؛ ودون أن يشعر القائمون عليها سيجدون أنفسهم في المحصلة يبتعدون مضطرين عن التطرف، لتصبح القناة مع الوقت والمصالح و(الخوف) من الإغلاق تدعم خطاب المعتدلين لا المتطرفين. فكما يقولون، وكما يثبت التاريخ، المصالح تشكل مبادئ وقناعات الإنسان؛ ولن يعدم هذا الإنسان في النهاية ما يبرر به مواقفه التي تتناسب مع مصالحه الجديدة. فالذي ليس لديه ما يخسره يختلف تماماً عمّن لديه شيئاً يخسره. دعهم يستثمرون، وينفقون، ويُقيمون كياناتهم، وهم، لا أنت، سيدافعون عن بقائهم بالاعتدال والليونة؛ لأنهم حتماً سيكتشفون أن استمراريتهم تعني أن يدخلوا مرغمين إلى لعبة (الحسابات)؛ وأن تتعامل مع صاحب مصالح أسهل بكثير من أن تتعامل مع من ليس لديه شيئاً يخسره.

وأنا على يقين أن فوضى الفضائيات لن تستمر كما هي عليه الآن. لا بد وأن يكون هناك (قوانين) وتشريعات دولية تحد من هذا الانفلات؛ وهناك إرهاصات تدور في الأفق تؤكد أن هذا ما ستنتهي إليه أوضاع ثورة الاتصالات المعاصرة، وبالذات ما يتعلق بدعم السلم والأمن الدوليين، ومكافحة الإرهاب. وهذا يعني أن هذه الفضائيات التي تعمل دون حسيب أو رقيب الآن، سيكون هناك ما يلجم تطرفها؛ ليصبح استمرارها، واستفادتها من تقنية الإعلام الفضائي مشروطاً بشروط لا يمكن أن تتواءم مع التطرف الذي يكتنف خطابها الثقافي الآن.

الأمر الآخر الذي لا يمكن أن نتجاوزه ونحن نتحدث عن التطرف، أن المزاج الداخلي والخارجي الآن يقف بقوة تتزايد مع مرور الوقت ضد التشدد ويبحث عن التسامح والاعتدال. وهذا ما سيكتشفه المتطرفون عندما يقيمون منشآتهم ويمارسون العمل فيها بشكل فعلي؛ خاصة وأن أغلبهم يبحث عن مكانة اجتماعية من خلال التشدد، ولا يمارس تشدده عن قناعة. ومعظمهم متقوقعون في شرانق لا تمكنهم من قياس الرأي العام كما ينبغي. لذلك فبمجرد أن يخرجوا من شرانقهم إلى الواقع، سيكتشفون أن بقاءهم مرتبط بالاعتدال والتسامح ومسك العصا من المنتصف لا كما كانوا يظنون.

إلى اللقاء.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد