هذه الدفاتر مشرعة, والناس يا نوارة تركض فوق ظلال بعضها، وتنام عند متنفس النهار للَّيل, ينبئه عن الفوضى في متاهي الأرض، ودولبة تطوِّحُ بضحكة غرٍّ, لا يعرف من الحياة غير كأس الحليب، وأول حروف من اسم أمه, وأبيه، هكذا هي الومضة الأولى للحياة، في كنف المعاش, ونشأة الأبجدية, ووقيد العروق، لا يهدأ حين يقظة، همُّه اللعب, والأكل, والنوم، وغاية ركضه في مدارج البيت, وحجرته الصغيرة، أما هم فالجبال تشهدهم, والسفوح تنظرهم، والطيور ترقبهم، والأشجار تلقمهم، والثرى ينبت لأقدامهم مغتسلاً, وشراباً, وأنتِ هنا سيدة السطر، دفء الصدر، بهجة الذاكرة، ومنتهى الظلال، كثيرة هي الجمل التي في الدفاتر منذ غادرت شلالات النور في بوتقة روحكِ، وتركتِ هنا الدواة والقلم، منذ أن حفظتُ آخر المبتدأ، وأول الخبر في سطر أيامكِ العامرة، بما لا يصل إلى مستودعه من الراكضين أحد، ليتهم خلاقون, لاستوى الجمال في لمحات حرفكِ، معنى في قراءة لسانهم، ليتهم حقائق، لتبدد السراب في منتهى تيههم، وانبجست أنهار من فيض خزينتكِ، الحياة التي تركتِها يا نوارة ليست أجمل من تلك التي عشتِها، والناس الذين رافقتِهم سيدتي, مضوا كما سرب الطيور, هاجروا، خلت المضامير منهم، من الساعين لمنابعكِ، والقادمين من مواردكِ، وأنا، وحدي هنا, أتأمل المسار، أستنشق صباحاً خميسياً هو صباحكِ، وأقرأ عنكِ سورة الفتح.