تغطية - ندى الربيعة
حفلت جلسة المخاطر العالمية المحتملة للعام 2010 التي عقدت خلال منتدى التنافسية بتعدد وجهات النظر، وركز الجميع حول المخاوف المحتملة التي قد تؤثر بالاقتصاد العالمي سلباً فكانت الحمائية وضعف الدولار وسحب خطط التحفيز والتضخم أبرز ما دار حوله النقاش بخلاف موضوع العلاقة العكسية بين أمريكا والصين، حيث تعاني أميركا الآن من نسبة بطالة وصلت إلى 10 بالمائة، بينما حققت الصين نمواً قارب 10 بالمائة. واستطلعت (الجزيرة) آراء المختصين الذين حضروا الجلسة ورأيهم في المخاطر المحتملة على الاقتصادين السعودي والعالمي.
الاقتصاد العالمي يتنفس
برئة صناعية
وأوضح الدكتور طلعت حافظ (عضو لجنة الأوراق المالية بغرفة الرياض) أن المملكة شهدت ارتفاعاً طفيفاً بالتضخم بنسبة بلغت 4%، لكنه مختلف بعض الشيء عن التضخم بدول أخرى، وهذا ينعكس على السلع والخدمات، ورغم ذلك فالمملكة تصرفت حينها بحصافة حيث أقر خادم الحرمين الشريفين نسب دعم للمواد والسلع الأساسية على مدى ثلاث سنوات وبمدة متراكمة 5% لكل عام مما خفف العبء على المواطن.
وعن الحمائية أكد حافظ أنه لا يزال يسبب قلقاً عالمياً وليس على مستوى المملكة فجميع المنتديات والمؤتمرات والقمم التي تدور حول هذا الموضوع تطالب بالتقليل من إجراءات الحمائية قدر الإمكان لأنها تفيد الدول الصناعية المتقدمة على حساب اقتصاد الدول النامية والصغيرة وبالتالي فهي قضية شائكة ولعل وجود المملكة كعضو بقمة العشرين له دور فاعل بهذه القمة وستغير من التوجهات العالمية بحيث أن وجودها سيخلق التوازن الاقتصادي المطلوب.
وبين أن سياسة التحفيز ترتكز على وجهتي نظر فالبعض يرى أن سياسة التحفيز ليست ذات أهمية في الوقت الحالي لاسيما أن العالم يمر بنهاية نفق الأزمة المالية بينما البعض الآخر ومنها المملكة يفضلون ألا يكون هناك استعجال في سحب الحزم التحفيزية لأننا نرى أن الاقتصاد العالمي لا يزال يتنفس برئة صناعية، بمعنى آخر كل ما نراه حقيقة من تحسن ونمو هو نتيجة الحزم التحفيزية، وبرأيي كخبير اقتصادي قد نحتاج في عام 2010 والعام 2011 لمزيد من الرقابة والترقب لأن المشكلة ليست التعامل مع الحدث في حينه وإلغاء هذا الحدث والتعامل مع المشكلات التي نتجت أساساً عن هذه الأزمة المالية من ضعف الرقابة على القطاعين المالي والمصرفي وخلط الأوراق فيما بين البنوك الاستثمارية والبنوك التجارية، فالمملكة اتبعت سياسات حكيمة في هذا الأمر ولا يزال الاقتصاد السعودي غير متأثر بصورة مباشرة بالأزمة رغم تداعياتها ولا يزال الاقتصاد والناتج المحلي ينمو بنسب إيجابية بينما هناك في اقتصادات دول أخرى متقدمة لا ينمو أو ربما يكون بنسب سالبة حيث إن المملكة تتبع سياسات حكيمة خاصة في استمرارية نمو الاقتصاد بوتيرة موجبة لا تؤثر على حياة المواطن ورفاهيته.
وعن سوق المال السعودي أوضح حافظ أن المملكة قد يكون لها وضع مختلف بعض الشيء فسوق المال لدينا لا يتوازى مع أداء الاقتصاد وهذا ما نلمسه كاقتصاديين ونأمل بأن يتماشى أداء سوق المال مع أداء الاقتصاد السعودي، ونحتاج في سوق المال إلى جرعات مكثفة من التثقيف والوعي للجمهور بأن سوق المال هو استثمار في أوراق وأدوات مالية طويلة الأجل وليس كما يمارس البعض من تصرفات خاطئة بالاستثمار في مدد قصيرة جداً، وهذا سيغير من آلية أداء السوق ويقلل قدر الإمكان من الفقاعات التي لمسناها بالتحديد في عام 2006م.
وفيما لو اتخذت الصين خططاً انكماشية في المستقبل القريب ومدى تأثيرها في الاقتصاد العالمي، أكد حافظ أن الصين تتوجه للعب دور كبير في الاقتصاد العالمي لاسيما تسجيلها لمعدلات نمو في العام 2009م فاقت نمو 8.6% وبالتالي هناك توقعات بأن الاقتصاد الصيني سيأخذ محل الاقتصاد الياباني كثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، ولا أعتقد أن من مصلحة الاقتصاد الصيني أن يتبع سياسة انكماشية لاسيما في ظل إرهاصات الأزمة المالية فجميع الحكومات ستحافظ على نمو الاقتصادات بوتيرة منتظمة وليس العكس واللجوء للانكماشات.
كعكة الاتصالات بالخليج يتقاسمها الكل
أما فيما يخص قطاع الاتصالات في ظل التنافسية فقد أوضح رجل الأعمال وخبير الاتصالات الأستاذ عبدالرحمن مازي (عضو منتدب لشركة الاستثمارات التقنية) بأن الطريق أمامها طويل وذلك لظهور العديد من التقنيات والخدمات المتطورة والمتجددة وكان يتصور البعض أنه مع ظهور عدة شركات منافسة أنها ستتأثر كثيراً ولكن هذا غير صحيح واعتبر بأن قطاع الاتصالات كالكعكة يتقاسمها الكل ونسبة الربح لإجمالي الدخل حتماً سيقل ولكن الدخل بحد ذاته سينمو ويكبر. وهناك جهات أخرى في غير قطاع الاتصالات تحاول التنافس والدخول فيه بحيث تحاول السيطرة على العميل وهنا مكمن الخطر لو كتب لهذه الشركات النجاح وبالتالي فالاتصالات بصفة عامة من الصعب الدخول فيها لتكلفتها العالية وبعض الشركات التي تدخل بطرق مختلفة ربما يكتب لها الفشل لأن قطاع الاتصالات يعتمد على مبالغ ضخمة تحتاجها حتى تقتني هذه المنتجات وكذلك تحتاج إلى عملية تسويقية ضخمة ولهذا تبدأ شركات الاتصالات بخسارة ولكن يكتب لها النجاح فيما بعد. وعن المخاوف من دخول الشركات الأجنبية المنافسة في قطاع الاتصالات أكد أن السوق الخليجي لا أحد من الشركات الأجنبية المنافسة يستطيع منافستنا فيه لأنه لدينا رأس المال ومبالغ استثمار كبيرة في المنطقة ونسبة الزيادة السنوية فيه قد ترتفع.
الحمائية منهج المستقبل
قال الاقتصادي الدكتور رجاء المرزوقي: أتوقع أن يكون هناك توجه للحمائية خلال السنوات القادمة لما يعاني منه العالم من أثر الأزمة المالية ولا يمكن أن تنتهي في العام 2010 بل ستستمر لما بعدها خاصةً أن أساسيات الأزمة لم تحل بعد ولازالت موجودة وبالتالي يتوقع أن تتولد أزمات قادمة في السنوات المقبلة وهذا ما يدعو الدول للحمائية للمحافظة على نموها الاقتصادي وتشجيع النمو على مستوى الدول..
وحول استمرار الخطط التحفيزية على مستوى العالم قال المرزوقي هذا النمو المؤقت في بعض الدول الغربية هو نتاج هذه الحوافز ولا أتصور إلى الآن أن القطاع الخاص وطلب الاستهلاك العائلي أن يحل مكانها فبالتالي من الممكن أن ندخل في انخفاض في النمو الاقتصادي بالدول الغربية.
وبالنسبة للسوق المالي السعودي وهل من الممكن أن يكون هناك ارتفاع فلا يتوقع الدكتور رجاء ذلك في الأجل القصير فلازال السوق لديه فجوة بينه وبين نمو الاقتصاد كما توقع أن يكون هناك نمو تدريجي مع العلم أن الأساسيات بالسوق لم تكتمل بعد فبالتالي متوقع أن يكون نموه مع نمو الاقتصاد والمتوقع للاقتصاد السعودي خلال 2010 أن يحقق نمواً يتحفز تبعاً له سوق الأسهم ولكن لن يكون بنفس النسبة، سيكون هناك فرق. أما على الصعيد العالمي لأسواق الأسهم فبتتبع الوضع الاقتصادي لهذه الدول فلن تحقق هذه الدول نمواً في الفترة القريبة القادمة.
أما بالنسبة لما يخص العملات وسعر الدولار وهل سيطرأ عليه انخفاض أوضح المرزوقي أن العملات في الفترة القادمة ستعاني من عدم الاستقرار وهي جزء كذلك من الحروب الاقتصادية التي تنشأ بين الدول لتنشيط اقتصادها، والدولار من المتوقع أنه سيعاني من أزمة اقتصادية ومن انخفاض في قيمته مع بروز قوى اقتصادية أخرى والخوف من انخفاضه فتقل الأموال التي تدخل منطقة الدولار وبالتالي يؤثر على قيمة الدولار في المستقبل.
السوق السعودي سيكون فيها تضخم فالحوافز موجودة لتنشيط التضخم خاصة أن أهم محفزات التضخم لدينا هو الإنفاق الحكومي وأتصور أن خلال 2010 وما بعد سيكون هناك طفرة لسوق العائدات النفطية التي ستنعكس إيجاباً على الطلب المحلي ويؤثر على التضخم في الداخل.
وعن توقعه لأي خطط أو عملية انكماشية للصين كيف سيكون مردودها على المملكة وتأثيرها عالمياً استبعد المرزوقي أن تدخل الصين في مرحلة انكماش لأنه سيؤثر عليها في الداخل فبالتالي وبسبب الانخفاض العالمي الصين عملت تحفيز لاقتصادها داخلياً بالإنفاق الحكومي لتنشيط اقتصادها والمتصور أن تستمر الصين في النمو بل وستعاني من محاولة كبت النمو بحيث لن تسمح للنمو أن يزداد بشكل كبير وينعكس على الاقتصاد من حيث التضخم وارتفاع الأصول.
المنافسة بين الطاقة
المتجددة والنفط
وعلى جانب آخر نفى الدكتور محمد الصبان (مستشار وزير البترول والثروة المعدنية) أن يكون هناك في الأمد القريب تهديد حقيقي للبترول ولكن هناك جهود حثيثة من قبل الدول الغربية لتطوير مصادر الطاقة المتجددة وإعطائها الكثير من المساعدات الحكومية من أجل تقليل الفارق في التكلفة بينها وبين مصادر الطاقة التقليدية ومنها النفط وبالتالي في تصورنا أن استمرار الإعانات المقدمة وتفضيل السعر المعطى للطاقة المتجددة قد يؤثر في تنافسية البترول وقد يكون على حساب نصيب البترول في ميزان الطاقة العالمي ونتوقع أنه يجب على المملكة أن تعجل وتسرع بطريقة التنويع الاقتصادي وعدم الاعتماد على مصدر واحد هو البترول وجهود التنويع يجب أن تركز على تطوير الإنسان السعودي والاقتصاد المعرفي وفي تصوري أن هناك حاجة ملحة وسريعة ويجب أن تتم خلال الفترة القصيرة القادمة قبل أن تبدأ عائدات البترول في التراجع كنتيجة لانخفاض الطلب العالمي على البترول خلال العشر سنوات القادمة.
فكل دول العشرين اتفقت فيما بينها على وضع خطة متكاملة لتحفيز الاقتصاد العالمي وتختلف من دولة لأخرى فلا تزال هذه الخطط قائمة وتؤتي ثمارها ونرى أن هناك انتعاشاً اقتصادياً عالمياً وإن لم يكن منتظماً والتخوف هو أن تكون هنالك بعض النكسات لكن في مجمل الحديث عن الاقتصاد العالمي فهناك انتعاش حقيقي ويظهر ذلك من خلال تحسن الأسواق والأرقام الخاصة بمعدلات النمو والصين على سبيل المثال تحقق معدل نمو بنسبة 10% وهي تقود العالم بالانتعاش الاقتصادي ولكن هناك العديد من المشكلات الأخرى المرتبطة بعدم التأكد تماماً بأنه لن تكون هناك نكسات وهناك مشكلة البطالة في الولايات المتحدة تصل لحوالي 10% وأيضاً البطالة في أوروبا مرتفعة جداً كذلك مشكلة الديون الحكومية التي استخدمت لتمويل الخطط التحفيزية، كل هذه الأمور ستؤثر بشكل سلبي إذا لم تتم معالجتها بصورة سريعة وشاملة وبالتالي قد يتأثر اقتصاد الدول الغربية ويؤثر على طبيعة الانتعاش الاقتصادي الحالي بالنسبة لضعف الدولار مرتبط بحالة الاقتصاد الأمريكي إذا ما تحسن الاقتصاد الأمريكي وانخفض معدل الدين الأمريكي والبطالة فإنه سينعكس إيجاباً على قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى.
واستبشر الصبان أوضاع السوق النفطية التي تظهر بصوره مشرقة مؤكداً أن هناك زيادة في الطلب على النفط مع استمرارية انتعاش الاقتصاد العالمي ويؤدي ذلك حتماً إلى توقعات متفائلة بالنسبة للنفط في هذا العام.
وحول أسعار النفط المتوقعة للعام الحالي قال إن ذلك متروك للسوق وفق آلية العرض والطلب.