يجري في عروق شاشتي ويسابق أصابعي إلى لوحة مفاتيح الكتابة هذا السؤال الذي اختارته أميمة الخميس ذات لحظة اشتعال وألقته عبر أحد أعمالها الأدبية كشمعة.. تقاوم الظلام على تلك الأمكنة التي يختطف ضوءها على حين غرة أو بتدرج سراق لا نلحظه...
...إلا حين لا يعود بإمكاننا أن نتعرف على الأشياء إلا بما نشب من رائحتها النفاذة في الذاكرة أما معالمها الأخرى فتكون قد اختفت باختفاء الضوء الذي كنا نراها في نوره أو بانطفائها أو بالاثنين معا. أين يذهب هذا الضوء؟! لست متأكدة ما إذا كان هذا سؤالا للاستفسار أو للاستدلال أو لاستعذاب العتمة أو للكيد لها بمصابيح الحبر أو أنه بحد ذاته إجابة لواقع الحال وسواه من الاحتمالات التي قد تقع في ظن القارئ بعيدا أو قريبا عن مقاصد الكتاب.
إلا أنني لا أطرحه هنا إلا كعنوان إبداعي مستعار لأستعين بعشبه على مسألة شائكة يراود قلمي هاجس الكتابة عنها منذ فترة ليست بالقصيرة، ورأيت أنه ربما يكون الوقت مناسبا لطرحها الآن خاصة في مناخ ما يفترض أننا نعيشه اليوم كمجتمع من دعوة للإصلاح وللمصارحة وللحوار.
وهذه المسألة هي في سؤال أين يذهب خريجات الدراسات الإسلامية بفروعها المختلفة؟!
أعلم أن عددا منهن بأغلبية ما فوق متوسطة ينخرطن في سلك التعليم بشقيه العام والجامعي بحسب الدرجة العلمية التي تحصلن عليها, وإن كنت أعلم أيضا أن الكثيرات منهن بطموح أو لفك اختناقات أزمة البطالة التي يعاني منها عدد عريض من الخريجات لمختلف التخصصات وخاصة المشابهة وفي مجال العلوم الإنسانية عموما يتجهن للدراسات العليا حيث يقضين عدة سنوات من زهرة أعمارهن في كتابة الرسائل العلمية في هذا أو ذاك من حقول الدراسات الإسلامية. (ولكن ما هي المواضيع التي يجري بحثها في تلك الرسائل وما مدى صلتها بحياة الناس والمجتمع فتلك قضية أخرى).
وبالعودة للسؤال الرئيسي أعلاه فيبدو لي أن عددا من أولئك الخريجات يشارك في تقديم خدمة جليلة وهي خدمة القرآن الكريم حيث يعمل عدد منهن في مدارس وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم. وإن كانت مؤهلات عدد ممن يقمن بالعمل في هذه المهمة الهامة قد تكون في تخصصات أخرى من فروع الدراسات الإسلامية وليست بالضرورة محددة في تخصص العلم القرآني ولكنهن يقمن بذلك بحكم التأهيل العام (وهذه أيضا مسألة أخرى).
على أنه مع توزع خريجات الدراسات الإسلامية على هذه المهن والمهام فإنني لا أعتقد أن ذلك كاف لاستيعاب تلك الأعداد الكبيرة من الخريجات, وهذه مجرد ملاحظة أوردها بمقتضيات السياق إلا أن هذا ليس موضوعي وليس مثار السؤال المطروح في هذا المقال على وجه التحديد. إذا إن الموضوع الذي طالما شغلني وربما سواي هو لماذا لا نرى مخرجات التعليم الجامعي وما فوق الجامعي في مجال الدراسات الإسلامية ودراسات الشريعة تنتج بوارق تنويرية في مجالها بمجتمعنا مثل بقية المجتمعات العربية والإسلامية. وهذا السؤال وإن كان قد ينطبق بنسبية على الأفاضل نساء ورجالا من الخريجين إلا أنني في طرحي هنا أود التنبيه على تخصيص سؤالي وموضوعي على مخرجات الدراسات الإسلامية والتعليم الشرعي في القطاع النسائي.
إنني على حد علمي وأرجو أن أكون مخطئة نادرا ما نرى أن هناك خريجة من الخريجات السعوديات قد استطاعت أن تقدم طرحا موضوعيا يعيد النظر أو على الأقل يطرح الأسئلة من خلال تخصصها في أي مجال من مجالات فقه العبادات مما يتعلق مثلا بحقوق المرأة الشرعية. وإذا كان هناك أي من هذا الجهد والاجتهاد وهذا وارد لأننا بلد مثل باقي البلاد قادرون على إنجاب المجددين والمضيفين بالاستناد إلى القرآن والسنة وفي ضوء المستجدات , فإن لاجدوى إن ظلت مثل تلك الطروحات طي النسيان أو الكتمان في أضابير رسائل علمية لا يعرف بها أحد سوى أصحابها.
لقد أدهشني في غير مناسبة معرفية وكان أقربها قبل 3 شهور مؤتمر النسوية بالجامعة الأمريكية ببيروت بتنظيم من الباحثات اللبنانيات وجود عدد يتسع من الباحثات على مستوى عربي وإسلامي ممن كن متخصصات في الدراسات الإسلامية والشريعة في مجال قضايا المرأة والحقوق الشرعية للنساء. وقد كان هناك تعدد إيجابي ومتفاعل بين مختلف الاتجاهات الإسلامية المستنيرة وبينها وبين الاتجاهات الفكرية الأخرى في مجال البحوث والقضايا النسوية. فلماذا تخرج الجامعات والكليات في مجال الدراسات الإسلامية والعلوم الشرعية من كولالمبور إلى فاس ومن القاهرة إلى نييورك باحثات إسلاميات قادرات على الخوض في القضايا الإنسانية والضميرية والنسوية بروح عصرية باستلهام الروح الإسلامية المجددة , بينما عندنا لا تخرج إلى الضوء إلا تلك الأطروحات الغارقة في الشكليات وبعضها للأسف وأقول بعضها يرتدي تلك الروح التخويفية خاصة في قضايا المرأة مما ينتج عنه إجحاف بين في حق الإسلام وفي حق النساء. وليس إلا لمن يطلع على بعض الكتيبات الشائعة التي توزع بالمجان أو بعض المجالس النسائية التي يتصدرها بعض النساء ممن يتسمين باسم الدعويات أو الداعيات (ولا أعمم) أن يعرف تلك « الشكلانية التخويفية» التي تشغل عددا من خريجات تلك الدراسات. وكثير منها لا تتعدى طروحاتها في قضايا النساء سوى ما يتعلق ب» الحيض والنفاس»و «عبايات الرأس والكتف « وما إليه من مسائل ليس من يقول بعدم أهميتها ولكن لنقل أنها وحدها لا تعبر عما يشغل المجتمع من قضايا مفصلية سواء في المجال النسوي أو في المجال العام من المسائل المعيشية اليومية إلى المشاركة الوطنية.
وفي هذا فإن سؤالا أين يذهب خريجات الدراسات الإسلامية ولماذا لا يكون لهن دور توعوي تنويري بدل تلك المواعظ والتوجهات الدعوية التي تؤدي أحيانا إلى تجهيل الوسط النسائي وليس العكس, يستدعي أسئلة أخرى فيما يخص نوعية التعليم في الدراسات الإسلامية والشرعية وأي نوع من العقليات يخرج لنا. وهذا معاذ الله ليس تشكيكا وإنما هي أسئلة مشروعة عندما يتعلق الأمر بمخرجات بشرية هي في النهاية ليست فوق التساؤل والحوار وقد تؤثر في حياتنا أكثر مما يظن.