Al Jazirah NewsPaper Thursday  28/01/2010 G Issue 13636
الخميس 13 صفر 1431   العدد  13636
 
المنشود
هوس التحسين الجيني
رقية سليمان الهويريني

 

في عام 2000م ولد طفل في برلين لديه عضلات منتفخة تصل إلى ضعف ما لدى الأطفال الطبيعيين حديثي الولادة، وكان الملاحظ عليه القوة في تلك العضلات. وحين أصبح عمره أربع سنوات كان قادراً على حمل ما يزيد على ثلاثة كيلوجرامات ويداه ممدودتان للأمام.

وسر الظاهرة التي يملكها هذا الطفل هو طفرة جينية على الجين MSTN وهذا الجين يحمل شفرة تركيب وتشكيل بروتين myostatin والذي يقوم عادة بالتحكم بحجم العضلات التدريجي من خلال كبح نموها عندما تصبح في حجم معين، بينما كان هذا البروتين لدى الطفل الألماني لا يتشكل؛ وبالتالي فعضلاته تنمو باستمرار، وهو من ضمن مجموعة محدودة من الأفراد الذين يملكون خصائص مميزة مشفرة في جيناتها.

والأمر المقلق هو سعي عدد غير محدود من الرياضيين للحصول على هذه الخاصية الفريدة، حيث يرون أن التدريبات الشاقة لم تعد كافية للوصول إلى التشكيلة المثالية للعضلات والقمة الرياضية المطلوبة، بينما وضع الله - عز وجل - طاقات في الإنسان بقدر، ويتفاوت الناس في تلك الطاقات، وهي تعود بالأصل إلى الصفات الوراثية، وبالتحديد للجينات؛ لكون الجينات هي المحدد الطبيعي للقدرات في الجسم؛ لذلك فإن أفضل الرياضيين هم الذين يمتلكون جينات مرتفعة بإمكانها أن تقدم لهم إمكانيات أعلى من بقية الناس؛ وبالتالي تهيئ لهم الحصول على الأفضلية بالمقارنة مع منافسيهم في المجال الرياضي.

وفي حين أن الجينات الطبيعية لا تكاد تقدم النتائج المطلوبة، ولا تحقق طموحات وهوس صانعي اللاعبين فقد لجؤوا إلى عمليات (التحسين الجيني) لبعض اللاعبين ذوي القدرات العادية، واستعانوا بالأطباء الذين يملكون مجموعة من الجينات المختلفة التي جرى تجربتها على الحيوان، وأظهرت قدرتها على زيادة العضلات أو رفع القدرة على إنتاج الطاقة. وتلك الأنواع المختلفة من الجينات باستطاعتها تحسين طاقات الرياضيين، على الرغم من أن ذلك التأثير الجيني يتضمن مخاطرة صحية، بعكس الهرمونات المتعارف عليها، ذات التأثير الآني قصير المدى، حيث إنه لن يكون بالإمكان التراجع عن التأثير الجيني بسلبيته الخطيرة؛ فعند إجراء التغيير الجيني على الكروموسومات، ستبقى التغييرات وتقوم بوظائفها حتى موت الخلية، وسيكون من المستحيل التحكم بالجينات بشكل مؤقت أو إبقاؤها عند الحاجة إليها وقت التمارين والسباقات فقط.

وتجهز اللجنة الأولمبية المعدات المخبرية من أجل فحص اللاعبين المشاركين في الألعاب الأولمبية عام 2012م لمعرفتها بولع اللاعبين ورغبتهم باستخدام هذه المحفزات والجينات.

وحين قام الأطباء عام 2007م بالتجارب المختبرية أظهرت تلك التجارب إمكانية تحويل الفأر العادي إلى (سوبر فأر) حيث قام العالم Se-Jim Lee بتغيير الجين المسمى MSTN عند الفأر, بحيث ألغى القدرة على نشوء ميوستاتين والجين الآخر المسمى F66 الذي يحمل شفرة تشكيل بروتين فوليستاتين follistatin وهو بروتين يقوم بكبح نشوء البروتين السابق. هذا الأمر أدى لتضاعف عضلات الفأر أربع مرات!

وهناك جين آخر يسمى FBN1 مسؤول عن التأثير على إنتاج نسيج الارتباط، ويمتلك هذا الجين نحو نصف مليون شخص، وتنشأ لديهم أعراض Marfans syndrom مما يجعل حامله طويلاً ونحيفاً كما تكون أصابعه وذراعاه وساقاه طويلة بشكل مميز؛ لهذا السبب فإن طفرة من هذا النوع يمكن أن تقدم خصائص تفضيلية إلى لاعبي كرة السلة والكرة الطائرة، غير أن العبث بهذا الجين يتضمن مجازفات كبيرة، حيث يؤدي استخدامه إلى إصابة القلب والمفاصل؛ فالقلب في سنوات الشباب يكون قادراً على ضخ دم كثيف بتأثير المعالجة الجينية، ولكن مع تقدم العمر لن يتمكن القلب من الاستمرار في مواصلة المهمة.

ألا ترون أن تلك الجينات وتشكيلها وتطويعها تدور في محاولة تحسين شكل الإنسان وقدراته العضلية؟ أفلا يمكن اكتشاف جين يغير من فكر الإنسان وأفكاره ووعيه، بل والارتقاء بشهامته ومروءته ونخوته بل و.. إنسانيته؟!

www.rogaia.net


rogaia143@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد