Al Jazirah NewsPaper Thursday  28/01/2010 G Issue 13636
الخميس 13 صفر 1431   العدد  13636
 
المشهد الثقافي السعودي
د. محمد بن عبد الله الشويعر

 

ساحتنا الثقافية تزخر بالكثير من المثقفين والمثقفات في شتى العلوم المعرفية المتنوعة، مما خلق هذا التنوع المعرفي تنافساً قوياً بين تلك النخب الفكرية، وتشكَّل بذلك عدة تيارات فكرية متنوعة.

حيث أصبح لكل تيار رموزه وأتباعه وجمهوره، مما شجع تلك الرموز إلى محاولة إبراز وإظهار تيارهم على التيارات الأخرى وسيطرته على الساحة الثقافية عبر الخطابات المستخدمة في ساحتنا الثقافية مثل: المناظرات، والندوات، والخطب، والمقالات الصحفية أو الإلكترونية، وأدى ذلك التنافس إلى وجود هوة وتباعد بين أولئك النخب المتنوعة فكرياً وثقافياً، وأصبح بينها تقاطع كبير، مما جعل الوصول إلى نقاط التقاء بين هؤلاء النخب الفكرية صعباً.

وقد وصل النقد بين أصحاب التيارات الفكرية إلى حد إقصاء الآخر وتجاهله، وأصبح هناك تباعد فكري بينهم بسبب الاختلاف في وجهات نظر كان من الممكن التحاور فيها، والوصول إلى نتيجة ترضي الجميع.

والاختلاف سنة كونية لا اعتراض عليها، ولكن يجب أن يكون هذا الاختلاف على مستوى الأفكار والآراء فقط، لا أن يصل إلى حد الإقصاء والتباعد بين أبناء الوطن الواحد.

والحوار المباشر عادة هو الذي يُذيب كل الاختلافات إذا هيئ للمتحاورين بيئة حوارية هادئة، فالاجتماع دائماً وسماع وجهات النظر بإنصات من كل طرف يخلق جواً من التعرف المتبادل الهادئ المتصف بالعقلانية والاتزان، بحيث تصبح فوائد الحوار كبيرة إذا التزم جميع الأطراف المتحاورة بأدبيات الحوار واحترام وجهات النظر المطروحة دون الالتزام بقبولها أو تأييدها.

في المحرم 1431هـ عَقَد مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني لقاءً مهماً على مستوى الوطن في محافظة الأحساء كان بعنوان «واقع الخطاب الثقافي السعودي وآفاقه المستقبلية».

وكان اختيار عنوان اللقاء موفقاً، وخاصة في هذه الفترة، فنحن بحاجة إلى عقد مثل هذه اللقاءات التي تجمع أولئك النخب من مختلف التيارات الفكرية في المملكة وجمعهم على طاولة واحدة للحوار، كما أن اختيار المكان المناسب لعقد مثل هذه اللقاءات الفكرية كان في غاية الأهمية، فالأحساء تُعد منبراً من منابر الفكر والثقافة في المملكة منذ عقود، حيث تحتضن العلماء والمفكرين، والمثقفين من مختلف التيارات والمذاهب الفكرية.

وأضاف وجود المثقفين والمثقفات ومشاركتهم في هذا اللقاء إضافة أخرى في نجاح ذلك الملتقى، حيث قدم هؤلاء المشاركون والمشاركات إسهامات ونجاحات تُحسب للمثقف والمفكر السعودي رغم وجود الاختلافات الفكرية بينهم. ولعل أهم ما التقى عليه الجميع ولم يكن مجال مساومة اعتماد الكل الشريعة الإسلامية التي جاء بها القرآن وسنة الرسول، والمصلحة الوطنية العليا لمجتمعنا السعودي بصفتهما منطلقين للجميع وهدفين لهم، وما يقدم من مفاوضات في الرؤى والأفكار فليس في أي منهما ولكن فيما دونهما.

ويُحسبُ أيضاً لتلك النخب الفكرية حرصهم واهتمامهم على المشاركة في ذلك اللقاء رغم حساسيته وأهميته في هذه الفترة، حتى أن بعضهم حرص على تقديم أوراق عمل مهمة ومفيدة متضمنة موضوعات مهمة عن اللقاء قد أعدت مسبقاً مبدين رغبتهم في عرضها وتوزيعها على المشاركين والمشاركات.

وكان من أهم نتائج ذلك اللقاء هو تغير مفاهيم بعض المشاركين في اللقاء من أصحاب التيارات الفكرية عن مفكرين ومثقفين من تيارات أخرى، حيث جرت بينهم لقاءات جانبية في بهو الفندق وأثناء تناول طعام الغداء والعشاء وتبادلوا فيها الحديث الودي فيما بينهم، فأصبح هناك بعض الرضا والقبول من المشاركين في اللقاء. كما أن حوار تلك النخب الفكرية في ذلك اللقاء مثّل نقلةً حضارية رائعة على المستوى الثقافي في المملكة، حيث لاحظ الجميع أن هؤلاء النخب من رجال وسيدات قدموا صورة مثالية وحضارية أثناء حواراتهم مع بعضهم البعض، وذلك بطرحهم الصادق واحترام جميع الآراء المطروحة رغم التنوع الفكري والمذهبي الذي مثله نخبة مميزة من المشاركين والمشاركات. فهذه إحدى نتائج الحوار وهي احترام الآراء المتبادلة، ونقد الأفكار المطروحة دون تجريح أو إقصاء.

وهذه الفوائد التي قطف ثمارها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني بعد لقاء الأحساء، إنما هي ثمرة كبيرة تصب في مصلحة الوطن، حيث أوصى أغلب المشاركين والمشاركات على أهمية تكرار إقامة مثل هذه اللقاءات في مناطق متعددة من المملكة، ومناقشة موضوعات تهم الخطاب الثقافي السعودي واستشرافه المستقبلي، وهذا يعود إلى نضج المفكر والمثقف السعودي وتطور آليات التعامل والتعاطي الفكري والثقافي لتحقيق تنمية حضارية في المشهد الثقافي السعودي.

والله الموفق،،،




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد