قرأت مثلاً يقال إنه لأهل الصين, مفاده: أن من يعمل يطعم نفسه ومن يتفوق في العمل يطعم الآخرين, وفي القرآن الكريم ما هو أبلغ إذ يقول سبحانه مخاطباً المؤمنين في الآية 105 من سورة التوبة: ?وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ? إلى آخر الآية, فحينما ينشط الفتيان إلى أي أعمال شريفة تدر عليهم ما أمكن من دخل مادي وإن لم يكن المأمول تماماً على أمل بلوغ الأهداف والمقاصد مستقبلاً؛ فإنهم بذلك يعدون من الأوفياء لوالديهم ولأسرهم ولمجتمعهم ولبلادهم, فبالعمل الجاد المخلص وفاء لآباء كانوا قد تعبوا لتربيتهم متطلعين إلى آفاق يبلغها هؤلاء الأبناء خدمة لأنفسهم أولاً وصولاً للوفاء ورضا الآباء, ثم للأسرة التي تكره أن تجد شاباً عاطلاً بينها لدرجة أن بعض شرائح المجتمع أو في بعض المناطق يعد هذا عيباً ونقيصة في الشاب تلام عليه الأسرة كلها, وحين يكون الشاب والأسرة على هذا النهج فإن المجتمع سيتحول إلى خلايا عمل كما النحل والنمل والطير التي لا تكل أو تمل من العمل المنظم الدؤوب فيزداد المنتج المحلي ويتنوع ويتطور وبذلك تصل المتجمعات إلى الاكتفاء من سلع ومنتجات كثيرة ويتحسن اقتصادها ومعيشتها, وفي ذلك وفاء للأوطان فحب الأوطان جزء من الإيمان ولن يكون المرء وفيا لبلده وهو يبخسه حقه بعدم تنمية موارده وعز شعبه وقيادته الحريصة على نهضته, انظروا إلى المنشآت العملاقة وجموع المبتعثين من الطلاب والمشاريع المتعددة المتجددة في كل حين ومكان من البلاد فإنها بحاجة إلى أيد وطنية مخلصة ترعاها وتسهر على تطويرها وازدهارها وكل بجهده ولا يحتقرن أحد القليل من الجهد أو المؤهل الصغير فكل منا بجهده كبير عند نفسه وعند مجتمعه ووطنه وكل في موقعه له احترامه وتقديره, وهي سنة من سنن الله في خلقه وكونه فكل له مقام وله دور في هذه الحياة وما الكرامة العظمى إلا بالتقوى, والإخلاص في العمل أمانة وتقوى والرضا بالمقسوم إيمان وتقوى, ولا تعمر الأوطان إلاَّ بأهل التقوى المخلصين لدينهم وأوطانهم وولاة أمرهم فيما يحبه الله ويرضاه، والغيرة على محارم الأوطان ومقدراتها ومكتسباتها وحدودها لا تتوفر إلا لذي مروءة وحمية ونفس أبية, وكل في موقعه حارس مؤتمن, والإنسان العاقل مكلف بهذه الأمانات فمن العيب أن يكون أقل من الطير أو الحيوان الذي يدافع عن حماه وأفراده.. روى لي شيخ مسن أنه كان مع أصحاب له ينتقلون عبر الفلاة على أرجلهم قديماً متجهين إلى قرية ليست عن مزارعهم ببعيد وشاهدوا فصلاً عجيبا من الوفاء للأرض والحماية والذود عن الولد, فقد شاهدوا عصفورة تزقزق وتفرد ريشها وكأنها تنهر وتنادي بابتعاد ذود من الإبل كان يتجه نحو عشها الذي يضم بيضها تحت شجيرة, غير أن اندفاعها وشدة حماسها ودخولها منخفضة بين أقدام الإبل أدى إلى دهسها وهلاكها وسلم البيض, هكذا كان في تصورها أنها ستحمي عشها ولكن سوء التقدير أدى لسوء العاقبة، فالحماس للأوطان يكون بأعمال العقول وإنتاج الأيدي الأمينة والابتكار والإنجاز والإبداع، وليس باجترار الأحاديث والتنظير وتكرار الإعجاب بالمبدعين في بلاد بعيدة.