منحت دارة الملك عبدالعزيز المؤرخ السعودي عبد الرحمن السويداء جائزة الأمير سلمان لدراسات تاريخ الجزيرة العربية، وكانت سعادتي بالخبر مزدوجة، فمن ناحية جاء الميعاد لتكريم رجل كرَّس حياته لجمع تاريخ منطقة أُهمل تاريخها، ومن ناحية أخرى كانت سعادتي بالرؤية الثاقبة التي تميزت بها قيادتنا الرشيدة على مر الأجيال، قيادة لا تجهل ولا تنسى.. ولا تغمط حق مواطن سخَّر حياته ووقته وعلمه لخدمة وطنه ومواطنيه.
عرفت الأستاذ عبد الرحمن السويداء عندما رافقت الأستاذ الكبير عبد الرحمن المعمر لزيارته في مكتبه، ودار بيننا حديث مطول تمحور في مجمله حول كتابه الموسوعي: (الألف سنة الغامضة في تاريخ نجد) الذي جمع فيه بصبر ودأب عدداً كبيراً من القصص والروايات والأخبار عن الأحداث التي دارت في منطقة نجد خلال الألف سنة السابقة على تأسيس الدولة السعودية الأولى.. وقسَّمها على ثلاثة أجزاء، وكان راصداً صابراً لأكثر ما دوِّن في تاريخ نجد، جمعها الأستاذ عبد الرحمن السويداء من أشتات متفرقة، أضاءت جزراً متباعدة ظلت تعيش في عتمة شديدة لمدة امتدت إلى ألف عام، وكأن نجد قد تعرضت إلى حصار طويل، شمل فيما شمل تاريخها الذي اكتنفه غموض شديد.. مما دفعني إلى البحث عن أسباب هذا الغموض، وخرجت منه ببحث: (حصار نجد).. لكن البحث اصطدم بسبب تناوله لحروب الردة بمحذور.. وهو أن في حروب الردة أموراً موجبة للسكوت.
تعجبت كثيراً من أن قضية عمرها ألف وأربعمائة سنة.. ما زالت محلاً لحظر النشر والكلام، ففي هذا الأمر إهدار واضح للحقيقة، فالمسلمون بشر تسري عليهم قوانين الله في خلقه، وليس من مصلحة الإسلام أو المسلمين إغفال حقبة تاريخية هامة شهدت أهم أحداث انتشار الدعوة، ألم يذكر الله تعالى في كتابه: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}.. ألم يؤد هذا الدفع الذي أوجده الله تعالى في نفوس خلقه إلى قتل ثلاثة من الخلفاء الراشدين.. وكثير من الصحابة والتابعين؟ ألم يقترف بعض الصحابة أمر القتل بحق الآخرين.. اعتقاداً أنهم بذلك يرضون الله ورسوله؟.. ألم يذكر التاريخ الإسلامي كل ذلك بروايات متعددة؟.. وهل أُمرنا بالتغاضي عن بعض حالات دفع الله للناس واستثنائها ونُهينا عن بحثها؟.. إذاً لماذا استُثنيت أحداث حروب الردة من الخضوع للبحث والدراسة؟
أمّا وقد كرَّمت الدارة مؤرخاً كدنا نظن أنه دخل دائرة النسيان، فهل تتكرَّم الدارة فتفرج عن حدثٍ تاريخي يمس مجتمعنا.. وتسمح بحق البحث والدراسة في حروب الردة، أعرف أن هذا يتجاوز صلاحيات الدارة، لكننا ننتظر منها أن تتقدم برأيها.. وتنافح عنه أمام صاحب الحق في اتخاذ القرار.. والله من وراء القصد.
