«الجزيرة» - الاقتصاد
حتى ثلاثينيات القرن الماضي، كان اقتصاد المملكة العربية السعودية اقتصاداًً لا يعدو أن يكون انعكاسا لدولة صحراوية فقيرة لا تملك إلا القليل من الموارد الطبيعية. ثم بدأ التحول عندما وقعت حكومة المملكة اتفاقاً مع شركة «استاندرد أويل أوف كاليفورنيا» لتنقيب البترول في المنطقة الشرقية من المملكة. وكانت هذه العملية بمثابة أولى الخطوات العملية التي بدأتها المملكة، في طريق التعاون مع الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وفي عام 1936م، بدأ التدفق التجاري لمخزون النفط في المملكة، ونظرا لعدم وجود مصاف لتكرير النفط الخام بالمملكة في ذلك الوقت، بدأ التصدير بواسطة السفن إلى المصفاة في البحرين.
وفي عام 1945م، افتتح خط الأنابيب البحري لنقل النفط الخام لتكريره في مصفاة التكرير بالبحرين. وحتى هذه اللحظة كان تأثير اكتشاف البترول طفيفاً على الاقتصاد، ولم تبدأ الآثار الواضحة لهذه الكشوفات إلا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. ومع بداية الخمسينيات، بدأ إنتاج النفط الخام يرتفع إلى مستويات عالية حتى بلغت نحو مليوني برميل في اليوم، ثم أقيمت المصافي لتكرير البترول في رأس تنورة على الساحل الشرقي، وبعدها بدأت عوائد البترول تتدفق بشكل محسوس، وبدأ البترول يلعب دوراً محورياً في اقتصاد المملكة، جالباً معه الازدهار الاقتصادي، والرفاهية للمواطنين.
وتواصل بعد ذلك تدفق الاستثمارات الأجنبية، فتميزت حقبة الثمانينيات من القرن الماضي بدخول استثمارات كبيرة في مجال البتروكيماويات، أما في حقبة التسعينيات، فقد عانت المنطقة من عدم الاستقرار وبعض الحروب الإقليمية، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية العالمية السيئة التي نتجت عن الأزمة المالية لدول شرق آسيا (1997 - 1999)، وانخفاض أسعار النفط. وقد أدى ذلك إلى انخفاض معدلات تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى المملكة.
وفي الألفية الثالثة التي تميزت سنواتها الأولى بارتفاع كبير في أسعار النفط العالمية، تم جذب استثمارات كبيرة، وبصفة خاصة، في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، والبتروكيماويات، والاستثمارات العقارية، إضافة إلى دخول شركات أجنبية عديدة في قطاع المؤسسات المالية (تأمين، وبنوك).
وبدأت تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة إلى المملكة في الصعود بصورة ملموسة ابتداء من عام 2005م، ولكنها ارتفعت بصورة واضحة خلال عامي 2006م، و2007م حيث بلغت (68.6) (91)، على التوالي. ومواصلة للنجاحات التي تحققت في عامي 2006، 2007م، تمكنت المملكة من جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عام 2007، حيث بلغ مجموع التدفقات الاستثمارية الأجنبية الداخلة 143 مليار ريال. مرتفعة بحوالي 57% من حجم التدفقات المباشرة لعام 2007م. وقد أدى صافي التدفقات الداخلة إلى ارتفاع إجمالي رصيد الاستثمارات الأجنبية في المملكة إلى 429 مليار ريال بنهاية عام 2008م.
هذه التدفقات على الرغم من ارتفاعها لا زالت دون الطموح، وذلك بالنظر إلى الإمكانات الكبيرة الكامنة في اقتصاد المملكة، ومنظومة بنياته الأساسية والنظامية التي تساعد على جذب الاستثمارات بشكل قوي، وتؤهل المملكة لأن تكون أكثر جذباً للاستثمارات الأجنبية.
الجدير بالذكر أن التقارير الصادرة من منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد»، قد بينت أن المملكة تملك إمكانات في جذب الاستثمارات تفوق ما تحققه فعلياً، وبالفعل بدأت الفجوة تتقلص خلال العامين السابقين 2007 و2008م، وتسعى المملكة إلى مضاعفة حجم الاستثمارات الداخلة إلى المملكة سنوياً حتى تتطابق إمكانات المملكة في جذب الاستثمارات مع المستويات التي يتم تحقيقها فعلياً.