لا تنحصر ردود الفعل العالمية على الأعمال الإرهابية حول العالم على نطاق زماني ومكاني محدود، ومن ثم يتكفل النسيان بمعالجة كل الأمور لاحقاً. كل عملية إرهابية أو حتى شروع بها يتحول إلى حصى ضخمة تلقى في بحيرة ماء تظل ارتداداتها تتسع إلى أطراف واسعة. قد يكون رد الفعل الأول هو الرد العسكري العنيف، ولكن على مستويات أخرى يكون هناك تصورات وتصنيفات تتجذر في الوعي العالمي تجعل من المنطقة في المشهد العام حاضنة كبرى للإرهاب ومصدره ومنفذيه.
فالعنف الديني بالتأكيد لا يخلق سوى عنف مضاد، وما يقارب العقد من أحداث سبتمبر خلق ركاماً ثقافياً ضد الثقافة الإسلامية بشكل عميق؛ فالأمر تجاوز ردود الفعل العسكرية عبر احتلال العراق وأفغانستان، إلى مراكز البحوث والجامعات، ودوائر صناعة الرأي العام الإعلامية، بل حتى الفنون والآداب أنتجت ركاماً هائلاً من المنتج الذي يلغم أرضية التسامح والتعايش والحوار العالمي.
وبعد إفشال محاولة تفجير الطائرة الأمريكية التي قام بها عضو القاعدة النيجيري الشهر الماضي، عصفت بمطارات العالم تدابير أمنية مكثفة كانت تبني طبقة كثيفة وتستدعي المرحلة المابعد سبتمبرية ضد كل ما هو إسلامي وعربي، مجيشة كل ما هو سلبي وناقم ضد المنطقة وحضاراتها. مؤخراً احتج مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية CAIR على تصريح سنتور ولاية أكلاهوما جيمس اينهوف (على ضرورة تفتيش ركاب الطائرات تبعاً لخلفيتهم العرقية؛ لأن برأيه كل إرهابي هو مسلم ما بين سن 20-35)؛ وبالتالي يتحول المسلمون إلى رسل موت تطوف العالم.
هذا جزء يسير من المشهد؛ فلم تعد تنحصر القضية في الذكور؛ بل انتقلت إلى الإناث؛ فبعد أن رفعت بريطانيا درجة التحذير في مطاراتها وطائراتها إلى درجة حاد أضافت المصادر المخابراتية البريطانية احتمال أن مَنْ سيقوم بالمهمة الإرهابية المرة القادمة هي امرأة، أي هنا سيعم البلاء والوباء الإرهابي النوع الإسلامي برمته رجالاً ونساء. سابقاً كنا نتعرض في المطارات لتفتيش طفيف ومن ثم نبقى بانتظار رجالنا كي ينتهوا من تفتيش طويل وممل ومستفز، لكن في المرة القادمة سنقف ضمن الصفوف نفسها وإياهم وكأننا عرق أو فصيلة بشرية ملعونة ومحاصرة بالشر الأبدي.
وفي محاضرة قدمها الأسبوع الماضي الكاتب الصحفي الأمريكي من أصول عربية (مأمون فندي) قال إن إسرائيل تنفق شهرياً ما يقارب الخمسة والعشرين مليون دولار لتلميع صورتها الإعلامية، في حين أن هناك قصوراً كبيراً فيما يتعلق بالعمل الإعلامي المضاد على المستوى العربي؛ فالعرب غير قادرين على اختراق دوائر صناعة الرأي والتأثير في تفكيك جزء بسيط من الصورة المنمطة التي تحاصر العرب والمسلمين، ونظل كأقوام تقبع خارج المسار الحضاري، واكتفينا بالصورة التي باتت تنمطنا كمخلوقات العذاب المجنحة، التي تنقل الموت والخراب حيثما تحل.