أن تنتقي عدداً من الدول، وتعتبر كل من يحمل جنسيتها إرهابياً محتملاً، تصرف عنصري بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فالقرار التي اتخذته السلطات الأمريكية بوضع جنسيات معينة، من ضمنها الجنسية السعودية، تحت طائلة الاحتراز الأمني دون غيرهم، وبأسلوب وطرق لا تمت للأخلاق ولا لكرامتهم بصلة، قرار لا يمكن تبريره إلا بالتصرف العنصري البغيض. والغريب أن يتم اتخاذ مثل هذا القرار في عصر الرئيس أوباما، الذي يمثل انتخابه - كما يقولون - تجاوز المواطن الأمريكي عقدة العنصرية العرقية بعد أن لوثت تاريخه لقرون؛ ليأتي هذا القرار العنصري، وغير الأخلاقي، ليثبت أن السلطات الأمنية الأمريكية تمارس العنصرية في أقبح صورها.
تفتيش ركاب هذه الدول بهذه الطريقة المهينة والاستفزازية سيكون له بكل تأكيد ردود أفعال في منتهى الخطورة، من شأنها ترسيخ صورة الأمريكي الكريه، والعدو، في ذهنية إنسان هذه الدول المستهدفة، وهو ما سيعمق الهوة بين الشعوب، وسيشوه سمعة الحكومة الأمريكية، مما سينعكس بصورة خطيرة على تجذير ثقافة البغضاء والكراهية. أي قرار لا يأخذ في الحسبان ردود الأفعال المترتبة عليه هو قرار متعجل، واندفاعي، وسيكرس ثقافة الكراهية التي هي أساس ثقافة الإرهاب. ومن الحصافة في اتخاذ القرارات أن تنظر لها من جميع الزوايا، أن تأخذ الزاوية (الأمنية) المباشرة، وتغفل ما يترتب على هذا القرارات من تبعات ثقافية وسياسية، معنى ذلك أنك تصب الزيت على النار لتزيدها اشتعالا. والأمريكيون ليسوا وحدهم من يعانون من الإرهاب، وإنما هي ظاهرة عالمية، انكوى منها الجميع دون استثناء، ومع ذلك لم تتخذ مثل هذه القرارات التي لا يمكن تبريرها.
ولعل من مشاكل صانع القرار الأمني في أمريكا ، منذ أن طفت على السطح ظاهرة الإرهاب، وهو يتعامل معها بالقوة، والعنف، والحزم، والإجراءات غير المدروسة بعناية؛ وها هي حادثة 11 سبتمبر يمر عليها الآن 10 سنوات، ومازال الإرهاب مستعراً، ومازالت القاعدة تستقطب مزيداً من الشباب، حتى أصبحت قضية الإرهاب مثل كرة الثلج المتدحرجة من أعلى التل يزيد حجمها مع مرور الزمن.
السلطات، وكذلك أغلب النخب المثقفة والفاعلة في كل الدول الأربعة عشر التي وضع مواطنوها تحت طائلة القرار التعسفي الجديد، تعمل بكل ما أوتيت من جهد لمحاصرة ثقافة التشدد، والبغضاء، والعداوة بين الديانات والمذاهب؛ ليأتي هذا القرار ويُعطي الحجة للإرهابيين على طبق من ذهب، ويثبت أن ثقافة الكراهية والبغضاء ومصادرة الحقوق تبدأ من هناك، من واشنطن، وليس من دولنا، وبالتالي فإن ما يقومون به من (عنف) لا يخرج عن مفهوم الإباء و(مقاومة) هذه العدو الصليبي - كما هو لسان خطابهم - الذي يكن لنا نحن المسلمون من التعصب والعنصرية والكراهية والبغضاء ما يشير إليه بوضوح هذا القرار المتعسف والعنصري؛ الأمر الذي سيعيد جهود هذه النخب إلى المربع الأول من جديد.
النقطة الأخرى، وهي غير مبررة إطلاقاً، أن سبب اتخاذ هذا القرار كان الشاب النيجيري الذي حاول تفجير الطائرة المتجهة من هولندا إلى أمريكا وفشل. أن تعامل أكثر من أربعمائة مليون إنسان بجريرة واحد فقط، منطق لا يمكن قبوله بحال من الأحوال؛ فأنت هنا مثل أن تحكم على الأمريكيين مستنداً على ما اقترفه مجموعة من الجنود الأمريكيين في سجن أبو غريب مثلاً.
بقي أن أقول إن رفض هذا القرار العنصري والمتعسف والمُجحف وغير الأخلاقي مُناط في الدرجة الأولى بالدبلوماسية السعودية؛ فهي الجهة المعنية ببذل كل الجهود والضغوط بالوسائل الدبلوماسية لإلغائه. ومن مهماتها حماية المواطنين السعوديين في الخارج؛ وهذا الوضع لا يمكن أن يقبله سمو الأمير سعود الفيصل ولا وزارة الخارجية ولا سفارة المملكة في واشنطن.
إلى اللقاء.