قلنا في المقالة السابقة إن الوطن فوق الجميع، وإن الوطنية انتماء للجميع، ولكن ذلك لا يعني مطلقاً أن نتخلَّى كلياً عن الانتماءات الصغرى التي تؤدي في مجموعها للانتماء الكبير للوطن. فمن لا خير فيه لأهله (عائلته، أسرته) لا خير فيه لعشيرته، ومن لا خير فيه لعشيرته لا خير فيه لقبيلته، ومن لا خير فيه لقبيلته لا خير فيه لمجتمعه، ومن لا خير فيه لمجتمعه لا خير فيه لوطنه، ولكن هذا (الخير) يجب أن لا يكون على حساب الآخرين سواء أكانوا عائلة أو عشيرة أو منطقة أو قبيلة أو فئة أو طائفة من أبناء الوطن (الواحد الموحَّد والموحِّد) انطلاقاً من الحديث الشريف (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).
وكذلك الأمر ينطبق على (المناطقية) أو التعصّب للمنطقة أو الجهة، فمن لا خير فيه لأهله لا خير فيه لقريته، ومن لا خير فيه لقريته لا خير فيه لمنطقته، ومن لا خير فيه لمنطقته لا خير فيه لوطنه، انطلاقاً من القول الكريم (الأقربون أولى بالمعروف) شريطة أن لا يكون هذا المعروف على حساب آخرين من أبناء الوطن سواءً أكان هؤلاء الآخرين (أبناء منطقة أخرى من مناطق الوطن أو أبناء قرية أو أبناء فئة من مجتمع الوطن الواحد الموحَّد الموحِّد أيضاً)..
ونحن إذ نقول ذلك فإنه ليس بمقدورنا اليوم تجاهل الانتماء للقبيلة إذا ما اعتبرنا أن (الأسرة قبيلة صغرى) وأن (الوطن قبيلة كبرى) يرتبط أبناؤها بوحدة الدين والدم واللغة والأرض والمصير، إذ هنا يتضح مفهوم (الأسرة الواحدة) التي تطلق عادةً على الشعب (الموحّد) الذي يندمج كلياً في هذه التركيبة الاجتماعية التي تشكّل النسيج القوي ل(اللحمة) الوطنية التي ستُلغي تالياً - على الأمد البعيد - القبائلية والمناطقية والفئوية والطائفية ويندمج (الكل في وطن الكل)، ولكن ذلك يحتاج إلى تخليص القبيلة من (عصبيتها) والمناطقية (من فئويتها) والطائفية من (غلوّها)، وهذا هو الدور التاريخي للمثقف الوطني والمواطن المثقف على حد سواء.
ومن هنا - استخلاصاً - لكل ما سبق فإن على المواطن السعودي اليوم أن يتمسك بما يدعم تواصله الاجتماعي عبر كل الحلقات المتواصلة (الأسرة، العشيرة، القبيلة، المجتمع) ويربطها ثانية بسلسلة أخرى هي (الأسرة، القرية، المنطقة، المجتمع)، أي عليه أن يبقي الحلقات القوية التي توصل إلى مفهوم (المجتمع الواحد) وتؤدي إلى التلاحم الوطني ويستأصل الحلقات الصدئة من هذه السلسلة التي تكرّس (العصبية والمناطقية والفئوية والطائفية)، وبذلك نأخذ الأجدى من هذه السلسلة ونربطها بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، ونفصم العرى المتآكلة من هذه السلسلة، وبذلك نصل إلى المجتمع المتواصل رحماً ووعياً ونؤصّل الوحدة الوطنية.