مع اقتراب موعد الانتخابات في العراق يعيش الشارع السياسي مفاجآت غير متوقعة وبعيدة كل البعد عن السلوك الانتخابي في الدول المعتمدة للديمقراطية كنهج سياسي لحياتها وطريق يرسم مستقبلها ويشكل أسس إدارتها بشكل سلمي.. وفي العراق الجديد كما يحلو للمتسلطين عليه تسميته، ومع الشعور النسبي بالأمن المحدود والحاجة لتحقيق السلم الاجتماعي للوصول لمرحلة المصالحة الوطنية والبدء في تكوين الدولة وبهذه الفترة الحرجة تتحرك الأصابع الأجنبية المعادية لاستقرار الشعب العراقي لتخريب هذا التوافق الممهد لحالة الأمن والاستقرار، وتشاركت القوى السياسية المرشحة لهذه الانتخابات والتي تخشى المنافسة الإقصاء السياسي، وتولى هذا العمل الدكتور أحمد الجلبي الذي اكتسب الخبرة في أسلوب الإيقاع بالخصم لمفاخرته بالانتماء لأكثر من منظمة أجنبية وعلاقات مشبوهة بأقرب هذه المنظمات لمؤهلاته واطلاعاته الإيرانية! فأنجدته، علاقاته القديمة، وخبرته الموروثة ليصدر قائمة بأبعاد أكثر من خمسمائة شخصية وطنية تؤمن بوحدة العراق والبقاء على وجهه العربي، وامتزجت خيبة الأمل بشعور الغضب لدى كافة أبناء الشعب العراقي لهذا الإجراء التعسفي والبعيد عن روح المنافسة الانتخابية وإلغاء قرار هيئة المساءلة والعدالة عدم الرضى لدى كافة المنظمات الدولية لمخالفته للممارسات الديمقراطية، وفيه الكثير من الإجراءات غير العادلة لطائفة واسعة من هذه الكتل الانتخابية والتي تتمتع بتأييد واسع في قواعدها الانتخابية.. ولا يجوز دستورياً أن يكون الخصم صاحب القرار بالإبعاد، وقد ترك هذا القرار ألماً عميقاً لتذيله بتوقيع مدير هذه المؤسسة علي اللامي والمعروف لدى كل مواطن عراقي بإنتمائه لمنظمة إرهابية إيرانية ويحمل شارتها وكمرشح لهذه الانتخابات والبعيدة عن الأعراف الدولية!.
وقد خصصت وسائل الإعلام الإقليمية والدولية مساحات واسعة في برامجها لهذه الكتل المبعدة من قبل هيئة المساءلة والعدالة للدفاع عن حقهم السياسي في المشاركة الانتخابية وحظيت كتلهم بتأييد شعبي واسع معلنة تنديديها بهذا القرار غير العادل، وتحركت جامعة الدول العربية بإيفاد أحمد بن حلي مساعد الأمين العام لحث الحكومة العراقية على اتباع الطرق والعادات الانتمائية وإعادة النظر بهذه القرارات غير المناسبة بتوقيتها وأهدافها لإزاحة المنافس القوي عن طريقه الانتخابي.. وقد ناشد المرشحون المبعدون الإدارة الأمريكية بصفتها الضامن للعملية السياسية حسب بنود الاتفاقية الأمنية والسياسية، وما جاء ببنود قرار مجلس الأمن الذي أدخل العراق بتبعات البند السابع والمسؤولية الدولية لمراقبة تطور بناء الدولة العراقية الجديدة وكان لمشاركة السيد كولمرت ممثل الأمين العام للأمم المتحدة إيجابية في توضيح مخاطر هذا القرار غير العادل على عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات العامة دولياً، وبالتالي تفقد التأييد الدولي لها، وجاءت تصريحات نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤثرة في تغيير الخطاب العراقي الرسمي حول قضية اجتثاث القوائم الانتخابية، وأبرز مؤشرات هذا التغيير ما قاله الرئيس العراقي الطالباني (بأن صدام حسين هو المجتث لحزب البعث ولا يمانع هو من دخول البعثيين في الانتخابات الحالية إذا لم يكونوا قد لطخت أيديهم بدماء الشعب العراقي.. وإني أبرئ من تم استبعادهم عن المشاركة الانتخابية من ذلك).. وفي خطوة إيجابية نحو إلغاء قرار الإبعاد عن هذه الكتل الوطنية رسالة الطالباني للقاضي مدحت المحمود رئيس المحكمة الدستورية العراقية لتحديد دستورية عمل هيئة المساءلة والعدالة.. وهناك تفاؤل في الشارع العراقي على صدور هذا القرار الدستوري المنتظر بإلغاء قرار الإبعاد الانتخابي، وتعود هذه الكتل المبعدة إلى العملية الانتخابية، وحسب مبدأ الممنوع مرغوب أصبح لهذه الكتل الوطنية التي أسقطت في حفرة الفخ من قبل منافسيهم وخصومهم جعلها هذا القرار غير العادل قريبة لقرار المواطن الذي شعر بحجم هذا الابعاد على مستوى وعيه الانتخابي المميز لاختياره للكتلة السياسية التي تتطابق برامجها مع مصلحته الوطنية وترفع في مستواه المعاشي. وقد تمتعت الكتل السياسية التي تم إعلان إبعادها عن الانتخابات البرلمانية بزخم ظاهر من الدعاية الانتخابية لا تضاهيها أي كتلة أخرى مهما سخرت الملايين لتنفيذها بهذا الشكل الوطني والإقليمي والدولي، ويتطابع الشعور الانتخابي للناخب العراقي مع حيازة هذه الكتل للمرتبة المتقدمة في هذه الانتخابات الهامة، والتي ينظر لها بالمرحلة السلمية لانتقال السلطة للقوى الوطنية التي تسعى لإعادة الوحدة الوطنية العراقية وإبراز الهوية العربية له بعد أن تعرض لحالات من الفوضى الأمنية وتسري الفساد الإداري والمالي بين المسؤولين عن إدارته حالياً، وقد يتحقق مع نتائجها الإيجابية صحة المثل القائل: (لرب ضارة نافعة).
محلل اقتصادي - عضو هيئة الصحفيين السعوديين