احتضنت جامعة حائل ممثلة بعمادة البحث العلمي الاجتماع التنسيقي الرابع لعمداء البحث العلمي في الجامعات السعودية، وكان في نهاية جلسات هذا اللقاء حلقة نقاش مفتوحة مع صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سعد بن عبد العزيز نائب أمير منطقة حائل، كان السؤال المحوري الذي دار حوله النقاش وبتوسع (ترى ما هو الهدف الذي وضعه منظّري التعليم العالي بين أعينهم في هذا الوقت بالذات؟)، وهل خططوا للوصول إليه حسب المتاح من الموارد البشرية والمادية، أو ما يمكن الاستعانة به من إمكانيات وقدرات سواء أكانت عربية أو عالمية؟ وأين تقف جامعاتنا اليوم في سعيها للهدف الوطني المنشود؟ وقبل هذا وذاك هل لدينا مقاييسنا الخاصة التي بها نعرف؟ هل نحن نسير في الطريق الصحيح وصولاً لأهدافنا التعليمية والتربوية الخاصة أم لا؟، وإلى أي نقطة وصلنا سواء في المجال الأكاديمي أو في مجال البحث العلمي أو في علاقة الجامعة بالمجتمع الذي تقع عليها مسؤولية التأثير عليه وإعادة تأهيله؟، نعم المقاييس العالمية مهمة خاصة في ظل التنافسية الدولية التي هي حقيقة لا يمكن غض الطرف عنها بحال، ولكنها وحدها لا تكفي لتحديد الكفايات المطلوبة من جامعاتنا السعودية في عصر العولمة الصعب، إذ إن لكل مجتمع طبيعته وظروفه وخصوصيته التي تحدد غالباً مساره وخطواته وقد تتقاطع هذه الخطوات مع ما هو عالمي وربما كان لها نهج خاص يستند على معطيات وفرضيات ذات بعد وطني مستقل، ومفهوم السوق مفهوم مراوغ ولا يمكن ضبطه وتحديد معالمه بشكل دائم ولو على المدى المتوسط في مصطلح أهل الاختصاص والدراية الذين يضعون خطط التنمية ويرصدون التغيّرات. (إن على رأس أولويات المهام الملقاة على عاتق الباحثين والدارسين الجادين في جامعاتنا السعودية التركيز وبشكل مباشر على تشخيص الواقع واستشراف المستقبل التعليمي لأبناء الجيل حتى نضمن سلامة البناء وقوة التكوين). هذا هو المحور الأساس في النقاش، وهذه هي أبرز الأسئلة التي دار حولها الحديث وتلك هي الخلاصة، وقد أظهر الحوار المتبادل في هذه الحلقة أن لدينا عدداً من الإشكاليات لعل أهمها وعلى رأسها:
- غياب المرجعية الوطنية للبحث العلمي والتي تحدد الأولويات البحثية برؤية وطنية شاملة وتضمن عدم الازدواجية والتكرار وتتبنى تفعيل التوصيات والمقترحات من خلال آلية ناجزة تهدف إلى نقل ما هو قول لحيز التفعيل الواقعي المنشود.
- عدم القدرة حين الحديث عن رؤية إستراتيجية وطنية مستقلة للتعليم العالي طرح الموضوع بمعزل عن غيره من القطاعات التي تتأثر وتؤثّر به، إذ إن تحديد الرؤى ورسم الخطط التنموية في كل مسار بالتنمية الوطنية المختلفة ومن بينها التعليم العالي والعام يأتي ضمن إستراتيجية شاملة يرتئيها ولي الأمر والإدارة السياسية التي تعي المرحلة وتعرف الظرف وتدرك عمق التحديات واختلاف المعطيات.
- إشكالية العالمية والمحلية، فحتى وإن كانت لنا خصوصيتنا فهي لا تعدو أن تكون مؤشراً من المؤشرات العديدة التي نقيس فيها واقع تعليمنا العالي اليوم، إذ إننا في زمن مختلف صار فيه العالم أكثر تقارباً وأقوى تنافساً وأشمل رؤية، ولذا فإن تحديد أين نحن في منظومة التعليم العالي في العالم هو الأهم ومن هذا الباب تأتي المقارنة والرصد، مع الإبقاء على أصل النقاش قائماً في ظل الخصوصية التي يتحدث عنها في مجتمعنا المحلي ولا تناقض بين الاثنين.
وفي سياق المقارنة وتحديد المكان الذي نحن فيه اليوم يأتي المعرض الدولي الأول للتعليم العالي الذي تنظّمه وزارة التعليم العالي ويشرف برعاية كريمة من لدن مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، ويحتضن هذا المعرض الدولي المشهود ما يزيد على الـ300 جامعة محلية وعربية وإسلامية وعالمية ويشتمل البرنامج العلمي المصاحب على فعاليات أكثر من رائعة محصلتها النهاية هي الإجابة الدقيقة عن السؤال الأساس في هذا المقال (أين يقف تعليمنا العالي عالمياً، وما هو الواجب علينا لنصل إلى الهدف الوطني المنشود في ظل منافسة عالمية صعبة؟) وللحديث بقية، وإلى لقاء.. والسلام.