هذه الأيام.. هي أيام المتقاعدين والمقبلين على التقاعد.. ومن يفكرون في التقاعد.. ومن تقترب أيامهم من التقاعد.
هناك أكثر من مشروع.. وأكثر من مادة.. وأكثر من مقترح يدرس لمصلحة المتقاعدين.. عسكريين أو مدنيين.. وهم يترقبون ويحاكون أنفسهم هل يثبت شيء من ذلك؟
هل يُعتمد شيء من هذه القرارات أو الأنظمة الجديدة؟
هل ستتحسن أوضاعهم؟
المشكلة.. أن المتقاعد لدينا.. إذا دخل مرحلة التقاعد.. أصبح أمام جزء من راتبه وجهاً لوجه.
تسقط عنه.. وتلغى كل الامتيازات.. حتى الامتيازات المعنوية التي ليست لها كلفة مالية.. هي الأخرى تلغى عنه.. ويبقى في مواجهة حياة صعبة آخر حياته.
والحياة هنا.. صعبة كل شيء غالٍ.
الحصول على سكن.. يبدو الآن.. شيئاً متعذراً.. بعد أن قفزت أسعار الأراضي وتضاعفت.. وقفزت أسعار مواد البناء وتضاعفت.. بكل أنواعه (أرض أو بناء) قفزوا به عدة مرات.
اليوم (الدبلوكس) الصغير الذي كان يباع بـ(400) ألف ريال.. هو اليوم بمليون ونصف على الأقل.. وهكذا الشقة.. التي كانت تباع بـ(150) ألف ريال.. هي اليوم بـ(450) ألف على الأقل.
والمتقاعد الذي فحّط طوال حياته الوظيفية.. ودخل في أقساط وديون وسلف ليمتلك بيتاً.. أصبح بيته بعد تقاعده (خرابة) غير صالحة للسكنى.. والحي الذي يسكنه قديماً أصبح وسط عمال وشركات في حي قديم وهو لا يقدر حتى على إيجار شقة صغيرة.
ثم إن كل الامتيازات التي كان يحصل عليها (وهي امتيازات معنوية) تلغى بالكامل.
إننا في بلد ترتفع فيه نسبة البطالة عاماً بعد آخر.. ولدينا مئات الآلاف من الشباب والشابات ينتظرون التوظيف في القطاعين (العام والخاص) فعلينا أن نشجع على التقاعد.
علينا.. أن نطرح حوافز للتقاعد.
علينا.. أن نجذب من جاوز الخمسين أو اقترب منها على حياة التقاعد.. بما فيها من امتيازات ومميزات وحوافز.. بدلاً من أن نقول.. لك جزء من راتبك وبحسابات صعبة.. وتتسابق مصلحتا التقاعد والتأمينات لتقليل المعاش التقاعدي.. وفق حسابات وتعقيدات يجعل مرحلة التقاعد شبحاً مخيفاً.. ومرحلة مظلمة.. وحياة كلها آلام وأوجاع وضنك وضيق وكدر.
أكثر المتقاعدين.. بل أكثر من 90% منهم لا يقدر على العمل بعد التقاعد.. إما لسبب جسماني أو أن قدراته وإمكاناته لا تؤهله في أن يتحول إلى عمل آخر.. يوسع به رزقه ويحسن دخله.. كما أن الإنسان بعد الستين تنهشه الأمراض من كل اتجاه.. فلو ذهب لعيادة طبيب أسنان لشفط راتب ثلاثة أشهر في جلسة واحدة..
كما أن الثقافة التأمينية لدينا.. ليست على المستوى المطلوب.. فوق أن أداء شركات التأمين والمستشفيات الخاصة.. دون مستوى التطلعات.
المتقاعدون اليوم.. يتطلعون..
وجهات التقاعد (المصلحة والتأمينات) تتسابق لخنق المتقاعد (المخنوق خِلقه).
ومرحلة التقاعد تطول أحياناً إلى (40) سنة.. فهناك من يمتد عمره بمشيئة الله وفضله. إلى ما بعد المائة عام.. ومعنى هذا.. أن مدة التقاعد أطول من مدة الخدمة.
(ارفقوا) على المتقاعدين.. ورغبوا الناس في التقاعد.. وشجعوا عليه.. بدلاً من أن تحولوه إلى شبح مخيف.