قبل مناسبة الميلاد مباشرة تقدمَت حكومة صربيا بطلب رسمي للالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي. وقبل بضعة أيام، ألغى الاتحاد الأوروبي متطلبات تأشيرة الدخول إلى بلدانه بالنسبة لمواطني صربيا، ومواطني الجبل الأسود ومقدونيا. وكان الابتهاج بهذه الخطوة عظيماً في كل من البلدان الثلاثة؛ فقد أصبحت توقعات التحاقها بعضوية الاتحاد الأوروبي الآن أعظم من أي وقت مضى.
وعلى النقيض من ذلك، جاءت ردود الفعل في أوروبا هزيلة أو معدومة. فالمشاعر العامة إزاء توسعة الاتحاد الأوروبي سلبية. والواقع أن غالبية بلدن الاتحاد الأوروبي ومواطنيه يفضلون وقف التوسعة إلى الأبد - على الرغم من أنها الوسيلة الأكثر أهمية والأعظم فعالية التي يستطيع بها الاتحاد الأوروبي أن يظهر قوته. ولقد نُقِل عن دبلوماسيين بارزين في بروكسل أنهم يرون أن طلب العضوية الذي تقدمت به صربيا جاء مبكراً وسابقاً لأوانه كثيراً؛ وفيما عدا ذلك فقد ساد صمت محرج.
كانت صربيا، الوحدة الفيدرالية الأضخم في يوغوسلافيا السابقة، هي التي تسببت تحت قيادة سلوبودان ميلوسيفيتش في اندلاع أزمة البلقان الكبرى والعديد من الحروب وعمليات «التطهير العرقي» مع انهيار الاتحاد اليوغوسلافي في مطلع التسعينيات. وتحت زعامة ميلوسيفيتش تحول أغلب الصرب إلى اعتناق القومية المتطرفة التي استندت إلى العنف واستلاب الأرض.
واستلزم الأمر خوض أربع حروب في سلوفينيا، وكرواتيا، والبوسنة والهرسك، وكوسوفو، فضلاً عن حرب خامسة تمكن حلف شمال الأطلنطي والاتحاد الأوروبي من منعها في آخر لحظة - في مقدونيا - من أجل وضع حدٍ للقومية الصربية العنيفة. وبعد هزيمته في كوسوفو أطيح بالطاغية ميلوسيفيتش أخيراً.
ومع ذلك فقد ظلت قضية إدماج صربيا في نظام ما بعد النزعة القومية في المنطقة تشكل أهمية مركزية بالنسبة للاستراتيجية الغربية طيلة ذلك الوقت. ولا شك أنه في وقت التدخل العسكري الغربي في البوسنة، كانت هذه الاستراتيجية تقوم على افتراض مفاده أن القارة الأوروبية بعد نهاية الحرب الباردة لا ينبغي لها أن تسمح لنفسها أبداً بتبني أي نظام أمني منقسم - إن كانت راغبة في الأمن والسلام الدائمين.
وكان هذا يعني أن منطقة البلقان أيضاً لابد وأن تندمج في الهياكل الأوروبية الأطلسية أولاً قبل أن يتم إدماجها في حلف شمال الأطلنطي والاتحاد الأوروبي، وذلك لأن النظام الأوروبي الجديد وحده القادر على التغلب على المآسي المتكررة الحدوث في المنطقة وضمان الأمن الدائم. ولقد لعبت صربيا وما زالت تلعب دوراً مركزياً في هذا بل وربما كان دورها قيادياً. ذلك أن تقدم صربيا على المسار الصحيح في اتجاه أوروبا من شأنه أن يعمل كحل فوري للأزمات والصراعات الرئيسية في البلقان، التي ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا: أزمة البوسنة والهرسك، وأزمة كوسوفو، وأزمة مجرمي الحرب.
إلا أن صربيا ليس لها أمل في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي من دون معالجة مسألة حدودها النهائية. ولقد اكتسب الأوروبيون الخبرة في هذا الصدد بفضل قبرص. وهم لن يسمحوا لأي دولة أخرى بالالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي قبل أن تنتهي من حل المشكلات المتعلقة بحدودها نهائياً وعلى نحو لا لبس فيه. وفي حالة صربيا فإن هذا السؤال يظل مفتوحاً فيما يتصل بكوسوفو، وعلى نحو أقل وضوحاً فيما يتصل بجمهورية صربسكا في البوسنة والهرسك.
يتعين على صربيا أيضاً أن تسلم الجنرال راتكو ملاديتش، الذي قاد جيش صرب البوسنة أثناء حروب البلقان، إلى محكمة جرائم الحرب في لاهاي - أو تثبت أنه ميت أو يختبئ في مكان آخر. إن ملاديتش، الذي ارتكبت قواته أفعالاً وحشية وفظائع في مختلف أنحاء البوسنة والهرسك - بما في ذلك المذبحة التي راح ضحيتها الآلاف من المدنيين المسلمين في سربرينيتشا في عام 1995 - يُعَد أهم المشتبه بهم في ارتكاب جرائم حرب، الذي ما زال حراً طليقاً منذ اعتقال رئيس صرب البوسنة السابق رادوفان كارادزيتش في بلغراد وتسليمه إلى محكمة لاهاي في عام 2008.
ورغم كل ذلك فإن الأهمية الكبرى لطلب الالتحاق الذي تقدمت به صربيا إلى الاتحاد الأوروبي تنبع من قدرة هذه العضوية على المساعدة في إعادة تنظيم منطقة البلقان بنجاح وعلى نحو دائم. لا شك أن الطريق إلى الالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي سوف يكون مرهقاً وطويلاً، ولكن إذا تحرى الطرفان الحزم والإخلاص على هذا المسار فإن المنطقة بالكامل سوف تتغير إلى الأفضل.
إن المفاوضات المستمرة بشأن انضمام صربيا لن تعود إلا بالفائدة على أوروبا. ذلك أن تقريب صربيا إلى الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يعمل على دعم استقرار النظام في المنطقة بشكل دائم - في وقت حيث أصبحت أوروبا في انزعاج وقلق متزايدين إزاء الالتزامات العسكرية المفتوحة الأمد - ويفتح آفاقاً جديدة لاستراتيجية خروج واضحة لقوات حلف شمال الأطلنطي من كوسوفو.
ولكن هذا يستلزم أولاً تقبل حكومات البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لمسؤولياتها السياسية، واتخاذ خطوات حاسمة لعلاج إعياء التوسعة المتفشي بدلاً من الاستسلام له.
قد يكون الأوروبيون الآن أكثر إرهاقاً وانقساماً من أن يتمكنوا من الاضطلاع بدور مهم في السياسة العالمية، وهو ما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة تتحملها أوروبا في هذا الوقت من إعادة تنظيم الصفوف على مستوى العالم. ولكن حتى لو تخلت أوروبا عن دورها العالمي، فليس من الممكن أن يتجاهل الاتحاد الأوروبي النظام في جواره المباشر. إن منطقة البلقان جزء من أوروبا، ويتعين على الأوروبيين أن يعملوا على حل مشكلات المنطقة. والواقع أن تقدم صربيا بطلب الالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي الآن يشكل فرصة تاريخية لتحقيق هذه الغاية.
برلين -
يوشكا فيشر وزيراً لخارجية ألمانيا سابقاً
خاص (الجزيرة)