الفكر الأحادي المقفل على يقينه، والقائم على ثنائية المتضادات, يصنع خنادق تغور عميقاً في ذهن الإنسان، وتبت جسوره مع اإنسانية؛ فعلى حين يقف هو في ضفة الأخيار والطيبين والمثاليين تصبح جميع البشرية ممن لا يشبهونه أو يتطابقون معه يقبعون على الضفة المقابلة في خندق الأشرار والشياطين السيئة.
وبما أن هذا الكون قائم على التعددية والتنوُّع والاختلاف يصبح أصحاب هذا الفكر أو مَنْ يتبنونه في حالة عجز عن تمثل التعددية، بل يظلون في حالة حرب وصراع دائم مع محيطهم، ويسيطر عليهم انشغالهم طوال الوقت بالبحث عن الاختلافات، ومقاربة العالم من خلال فرزه وفهرسته ووضعه في جداول تفصل بين الأشرار والأخيار، بشكل يصنع معسكرات متضادة على مد النظر في حالة تحفز متصل للاشتباك الميداني، عندها يهيمن على خطابهم الفكري طرح مثالي يسعى لخلق حالة تجييش وتوتر متصلة ضمن شعارات طوباوية منفصلة عن واقعها محلقة في تهويمات تفتقد النضج وشمولية الرؤية الموضوعية.
وأقرب مثال على هذا ما نشرته صحيفة الوطن الأسبوع الماضي، وأرجعته لمصدر مطلع، بأن السبب الذي جعل سلطان العتيبي أحد قائمة الـ85 المطلوبين في قضايا أمنية يفجِّر نفسه وسط جماعته؛ كونه معترضاً على اجتماع قامت به بعض من قيادات القاعدة في اليمن مع فصائل عسكرية من الحوثيين، ونتيجة لعدم استعداده لقبول الاختلافات المذهبية بين القاعدة والحوثيين. أدوات العتيبي المثالية عاجزة عن أن تؤمن بالمرحلي التكتيكي، فهو ما برح في تلك المرحلة البيضاء الخاوية والهائمة في عالم المثال، التي قسمت العالم بشكل أولي فطري بين حق وشر وفق الثنائية المتضادة المستمدة من عالم المثاليات، والعاجزة عن الانتقال إلى مراحل متطورة على مستوى العمل السياسي، أو تصور شروطه القائمة على فن الممكن. سلطان نموذج يعكس الفكر الأحادي المثالي للأتباع، والعاجز عن أن يتصل بواقعه أو يستجيب للمفارقة أو للمناورة السياسية لدى أمراء الجماعة أو مَنْ يقدمون واجهة دينية لمشروعهم السياسي.
النظرة القاطعة الحدية للأمور جعلت من سلطان رصاصة بلا إرادة مستجيبة لفتوى تفتق عنها رأي أمير جماعة ما أو أحد منظريها. سلطان ما برح في مرحلة عمرية باكرة تقصيه عن مرحلة الجدل الفكري (جميع أصحاب العمليات الانتحارية في نضارة الشباب)، وخرج من ثقافة نقلية بسقوف حوارية منخفضة تؤمن بالقطعيات، ولم يدرَّب قط على ملكة النقد أو السؤال, أو مشاكسة المسلَّمات؛ فتنقض عليه بشكل تراتبي فوقي؛ فلا يملك حيالها إلا الخضوع والرضوخ والامتثال.
هل مرَّ سلطان في عمره الخاطف بعدد من المؤسسات التي كانت تدفعه لمصير رصاصة؟ قبل أن تتلقفه أيدي أمراء الجماعة؛ فظل طوال الوقت يقارب العالم بتلك السكين المرهفة الحادة التي قسمت العالم إلى معسكري إيمان وكفر بشكل طفولي وبسيط وممتثل للأوامر.