لماذا لا تكتب عن منطقتنا؟
لماذا لا تكتب عن قريتنا؟
لماذا لا تكتب عن هجرتنا؟
لماذا لا تكتب عن ديرتنا؟
كل هذه الأسئلة الأربعة واجبة وعلى الكاتب وجوب تنفيذها ليحصل على رضا القارئ الذي يشتري الصحيفة من أجله (أحياناً). ولكن أهم هذه الأسئلة الواجب تنفيذها ليحصل الكاتب على رضا أكثر وأكبر من رضا القارئ هو السؤال الرابع ألا وهو الكتابة عن (الديرة)؛ وذلك لأن الديرة تعني الدار والديار وتشمل كل التساؤلات الأربعة مجتمعة لأنها تعني ضمناً الوطن بكل مناطقه وقراه وهجره ومدنه وداراته ودوره وجباله وسهوله وسواحله وأوديته وصحاريه وكل من استوطن فيه من مواطنيه وشكلوا بمجموعهم (أبناء الوطن) الذين لا فرق بينهم إلا بما يقدّمون من عطاء وتفان وإخلاص وإنجاز وحب وولاء لهذا الوطن. وكلما كبر العطاء كبرت المواطنة، وكلما كبرت المواطنة كبرت الوطنية. والوطنية تعني الانتماء الكلي اللا مجزأ لوطن واحد موحّد، وحّده أولاً الدين من خلال نور الإسلام العظيم ووحّدته اللغة ثانياً والدم ثالثاً والمصير رابعاً وكل هذه الركائز الأربع أرساها رجل عظيم، وثبَّت أركانها عميقاً فوق هذا الثرى الطاهر لتبقى راسخة - بإذن الله - إلى أبد الآبدين؛ ونعني بذلك الموحّد والمؤسس العظيم عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل طيَّب الله ثراه.
صحيح أن هذه الركائز كانت قائمة منذ أن انبثق نور الرسالة المحمدية فوق ذات هذا الثرى، وقد أشاد عليها الخلفاء الراشدون - رضوان الله عليهم - بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام الكبرى. ولكن حينما انتقلت الخلافة العربية الإسلامية إلى عواصم عربية أخرى تعرّضت هذه الركائز الأربع إلى محاولات الزعزعة من قِبل قوى طامعة في هذه الجزيرة المباركة وانفلت عقال القبلية من جديد وعادت العصبية الجاهلية وانكفأ الفرد في انتمائه إلى الفئوية الضيّقة واستبدل مفهوم الأمة الشاسع إلى مفهوم العشائرية والمناطقية واستبدلت اللغة باللهجة ووحدة الدم بوحدة القبيلة، ووحدة المصير ب(الذب) عن حمى القبيلة فقط. وهكذا إلى أن قيَّض الله لهذه الأرض ذلك الفارس العربي العظيم الذي شيَّد عليها من جديد مملكة من أعظم الممالك وأعاد لها كل الركائز الأربع وأنشأ عليها هذا الكيان الرائع الذي نفتخر به اليوم، بل أعاد للمسلمين فيها وحدتهم وبدّل القبلية بالشعب وبدل الحمى إلى حمى أكبر وهو حمى الوطن الذي تخفق عليه راية الوحدة والتوحيد، أي أن الديار والدارات أصبحت دار عزّ واحدة والقرية أصبحت اليوم قرية كونية واحدة، ومن هنا فإن الوطن - شاملاً - هو فوق المناطقية وفوق القبلية وفوق الفئوية وفوق المذهبية، فإذا ما تمسكنا بهذا المفهوم المقدس اليوم فإننا سنمضي بهذا الوطن إلى مصاف القوة والرفعة والخلود في زمن يتمنى لنا الحاسدون والمبغضون والأعداء التفكك والضعف والتلاشي ولكن هيهات هيهات!!