لا عجب أن يكون صوت كفنان العرب مزعجاً ومملاً وخانقاً لكثير من (الآذان)، ولا غرابة أن يرفضه البعض عنوة واختياراً للأفضل بالنسبة لهم، لا عجب أن يكون محمد عبده مثيراً للاشمئزاز عند بعض ممن أخذوا على عاتقهم المشي عكس اتجاه (الطبيعة).
محمد عبده الذي لا أمل سماع صوته مثله مثل مجموعة أخرى لا تتجاوز بعددها مجموعة أصابع كفي اليمنى أشعر بأن الكتابة عنه أكبر مني ألف مرة بحجم خسارة من لم يستمعوا له، وهو وإن كان حالة فريدة في تاريخ الأغنية العربية فإن من لا يستمع له قد خسر كثيراً، ولست معترضاً عليهم ولا على ذائقتهم واحترمها جداً.
محمد عبده الفنان (الأكثر) شعبية هو الأكثر أيضاً نقداً ومن جميع الفئات العمرية حتى (المراهقين) سمحوا لأنفسهم بإدانته في وقت كان عليهم أن يتعلموا ما ينفعهم ويستمعوا له، أشعر بأنه الفنان الوحيد الذي يرى مجموعة بأنهم أوصياء عليه.
لست أرى في محمد عبده رجلاً لا يُخطئ لكنني أرى بأن تاريخه أكبر بكثير من زلة لسان هنا أو سوء تقدير هناك أو تصريح جامل به أحداً أو ضايق به آخر، وله تاريخ لو سقطت إحدى أغانيه فقط على ظهر فنان يصفق له مراهقوه لكسرت ظهره، وألقت به في غيابات الجب.
فنان العرب لا يعنيه شيئاً مما يقول هذا وذاك ويعرف الصادقون معه والمنافقين ويستلذ بلحم الكتف وأشهر من يتعامل معه، وخمسون عاماً جعلته (رمزاً) شاء الصغار أم أبوا وهو كما يرى كثير من المنصفين (حكومة) فنية متنقلة لا يملك الآخرين شيئاً حياله سوى تقبيل رأسه أو الجلوس حوله والاستماع له (بحبور).
محمد عبده الذي عرف قديماً مربط (الفرص) أسوأ ما فعله أنه لم يُعطِ أحداً مفاتيحه، ولم يسلَّم نفسه لبعض (المنافقين)، ولم يكذب على الجمهور برحلة قنص أو ابتسامة صفراء، ولم يخفِ وراءها صوتاً (مقززاً). محمد عبده لم يعرف حتى اليوم أحد أغلب صفحات كتابه، وظلَّ مستمتعاً بخلافنا حلوه وشاغلاً البعض به ومتحركاً كلما شاء وأراد لمياه الساحة وممتلكاً لمفاتيحها ولم نعلم حتى اليوم أين يضع هذه المفاتيح ومتى يستخدمها ولماذا وكيف وأين.
m.alqahtani@al-jazirah.com.sa