الراصد لمسيرة التحولات الاقتصادية على مدار التاريخ يلحظ أن الإنسان بجهده وفكره يمثل الجزء المعلوم في كل معادلة اقتصادية تحدد مسارا جديدا لنمو الاقتصاد، والمعرفة الإنسانية اليوم تمثل وقود النمو الجديد وفنار التقدم في السباق العالمي، والمملكة اليوم تدرك أن إنسانها وجودة بناء معارفه وخبراته وتصوره الشامل عن العمل والإنتاج هي ما سيخولها مزاحمة الكبار على مقاعد النمو والتنمية في عالم تنافسي متسارع الحراك، وموافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على تمديد برنامج الابتعاث الخارجي لمدة خمس سنوات قادمة تؤكد حكمة المليك في أولوية الاستثمار في العقول واستقرار الرؤية الاستراتيجية الحكيمة تجاه بناء الإنسان وتعزيز قدراته في نمو وتنمية البلاد.
هذا البرنامج الضخم الذي يستثمر المال الوطني في بناء الإنسان السعودي على مستوى كل أبناء وبنات مناطق المملكة، يمثل أحد أهم محركات النمو القادمة وأبرز محفزات استقطاب الاستثمار، فالاقتصاد الذي يملك موارد بشرية نوعية هو الأقدر على المنافسة وكسب ثقة المستثمرين، ودلالة التنوع في مخرجات برنامج الابتعاث والتي تزيد الثقة بنجاح استراتيجيته تكمن في تنوع الدول التي يستهدفها البرنامج والتي يصل عددها إلى 25 دولة تتقدمها أبرز الدول الغربية في عراقة الجامعات والمؤسسات العلمية والهيئات التعليمية، مع تنوع التخصصات المرتبطة بأولويات سوق العمل المحلية ومتطلبات خطط التنمية الوطنية الشاملة، مدعوماً بعدد الملحقيات التي وصل تعدادها إلى 26 ملحقية تتابع شؤون الطلاب، هذا التطور المذهل للبرنامج يعبر عنه بشكل أوضح الرقم الكبير الذي وصله عدد المبتعثين، حيث أتاح البرنامج لأكثر من 70 ألف شاب وفتاة فرصة الدراسة الخارجية، ما جعل المملكة تحتل المرتبة الثالثة عالمياً بنسبة عدد المبتعثين، ناهيك عن برامج الابتعاث الموازية من خلال الوزارات والمصالح الحكومية والشركات الوطنية الكبرى التي تمتلك فيها الدولة حصصا معينة.
إذاً نحن أمام برنامج استراتيجي طموح يركز على الاستثمار الأمثل في إنسان الوطن، وهنا تكمن رؤية القيادة الحكيمة، فنقطة البداية في مواكبة التحولات الاقتصادية هي إعداد العنصر الاقتصادي الأهم في العملية الإنتاجية وهو الإنسان الذي يقدم العمل، فهؤلاء المبتعثون هم عماد البناء والنمو والازدهار، لأنهم سيعودون متسلحين بالعلم المتقدم والمعارف والمهارات المستمدة من تجارب حقيقية ودراسات وبحوث علمية، فضلاً عن ثقافات وقيم حضارية تسهم في دعم قيم التواصل والبناء مع العالم.
***