Al Jazirah NewsPaper Saturday  23/01/2010 G Issue 13631
السبت 08 صفر 1431   العدد  13631
 
المصارف وأخطاء المخاطر!
فضل بن سعد البوعينين*

 

دفعت البنوك السعودية، ضريبة تركيزها على شريحة محدودة من عملاء الائتمان، التي استأثرت بحجم لا يُستهان به من القروض المصدّرة، الجزء الأكبر من أرباحها العام الماضي. في الغالب، تُقاس كفاءة القروض بملاءة المقترضين وقدرتهم على السداد من جهة، وحجم الضمانات القادرة على تغطية القروض في حال التعثر.. من جهة أخرى كان متوقعاً أن ترتفع مخصصات القروض المشكوك في تحصيلها نظراً للمتغيرات العالمية التي حوَّلت القروض المحلية المُصنفة ضمن القروض الجيدة، إلى قروض مسمومة بعد انكشاف أصحابها، وتأثرهم عالمياً!.. إلا أن حجمها الحالي جاء أعلى من المتوقع ما يرفع أكثر من علامة استفهام حول أداء إدارات المخاطر في المصارف المتضررة.

على الرغم من المخصصات المرتفعة إلا أن البنوك السعودية حققت، مجتمعة، أرباحاً في حدود 27 مليار ريال، وبنسبة نمو قُدرت ب4 في المائة تقريباً. نمو ربحية القطاع لا ينطبق على بعض أعضائه، كبنك البلاد الذي شذ عن البنوك الأخرى بتحقيقه خسارة في نتائج العام 2009، أو بعض البنوك الأخرى التي حققت خسارة في الربع الرابع من العام الماضي!.. احتجاز جزء كبير من الأرباح كمخصصات للديون المشكوك في تحصيلها كان السبب الرئيس للخسارة المسجلة.

نعترف أولاً بقدرة القطاع المصرفي السعودي على تجاوز العقبات، والوقوف بصلابة أمام الأزمات العالمية والمحلية، وهو لم يكن ليفعل لولا دعم الدولة للقطاع الأهم بين قطاعات الاقتصاد المختلفة.. ونعترف أيضاً بقدرة بعض المصارف على تحقيق نمو إيجابي برغم الظروف الاستثنائية القاسية.. وهو ما يكشف عن تباين نوعي في إدارة المخاطر، والقدرة على تحقيق الأرباح والنمو في الوقت الذي تعصف فيه الأزمات بالمصارف العالمية.

لست مع من يعتقد بوجوب خفض حجم مخصصات الديون المشكوك في تحصيلها لارتباطها بالأخطار المستقبلية.. فهناك فارق بين المخصصات التحوطية الاعتيادية، وبين مخصصات الديون المتعثرة التي يغلب الظن على عدم تحصيلها، وهي أقرب إلى الديون المعدومة منها إلى الديون المشكوك في تحصيلها.. بل إن أخذ المخصصات الاستثنائية الكافية في هذه الحالة يُفترض أن يكون إلزامياً، لا اختيارياً، بغضّ النظر عن المستفيد النهائي من المخصصات المحتجزة في حال قدرة البنك على تحصيل ديونه مستقبلاً، إن كان المساهم الحالي، أو المساهم المستقبلي، أو ضياع فرص استثمارية محتملة، فالهدف هو حماية البنك كمنشأة، وحماية أموال المودعين والمساهمين، والقطاع المصرفي بشكل عام.

قرار أخذ المخصصات المالية، في الحالات الاستثنائية، يتجاوز إدارات البنوك إلى جهات أكثر حرصاً على استقرار القطاع المصرفي، وسلامته من تبعات أخطار المحافظ الائتمانية المدمرة، ولو ترك الأمر لبعض إدارات البنوك لربما فضَّل بعضهم خفض حجم المخصصات تعظيماً للربح الذي سينعكس إيجاباً على التوزيعات النقدية، وعلى مكافآت التنفيذيين السنوية!.

أخطاء إدارات المخاطر القاتلة تسببت في خسائر بعض المصارف السعودية، إلا أن الخسارة الحقيقية تعرض لها المبعدون من صغار الموظفين ممن طحنتهم قرارات خفض المصاريف، وما زال يتعرض لها بعض العاملين في القطاع المصرفي ممن لا علاقة لهم بإدارات الائتمان.

القروض المسمومة كالقنبلة الموقوتة لا تنفجر إلا بعد مرور وقت على إصدارها، ما يُعطي مَنْ زرعها الحق في الحصول على المكافآت والتميز.. أعتقد أن القطاع المصرفي في حاجة إلى (سجل أداء مسؤولي الائتمان) يُربط فيه بين العملاء المتعثرين ومديري حساباتهم والموصين بإعطائهم القروض، لحماية البنوك من بعض مُديري المخاطر الذين يجدون في القفز بين (السفن) المصرفية، الوسيلة الأمثل لتحقيق الكسب السريع، ومن ثم البعد النهائي عن قنابلهم الموقوتة.

F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد