تحليل - وليد العبد الهادي:
من المفارقة العجيبة أنه في الوقت الذي يصارع فيه العالم مخاطر الانكماش نجد التنين (ثالث أكبر اقتصاد في العالم) يشكو ويتذمر من النمو، وهي إحدى إشارات تشكِّل خارطة اقتصادية عالمية جديدة، لكن هذا التصرف يبدو حكيماً؛ حيث فرض المركزي الصيني على البنوك التجارية زيادة معدل الاحتياطي بنسبة 0.5%؛ حيث وصلت نسبتها بالمجمل إلى 16% في الأسبوع الماضي؛ تحسباً لأي فقاعة في الأصول الاستثمارية وكبح جماح التضخم بعد سلسلة من ارتفاعات أسعار المستهلكين والمنتجين ومبيعات التجزئة والصادرات الصينية. وبمعدل نمو للناتج المحلي الإجمالي 10.7% تخطت الصين ألمانيا التي هوت مبيعات التجزئة فيها؛ حيث كانت مفاجأة من العيار الثقيل. أما بريطانيا فقد أعلنت أرقاماً حلوة من القطاع العقاري وأسعار المستهلكين، والزخم حليف أصولها الاستثمارية. ولمزيد من التفصيل والتوضيح دعونا نأخذ رحلة اقتصادية مع أحداث هذا الأسبوع؛ لنعرف ماذا يدور خلف أهم العملات الأجنبية في العالم.
الدولار الأمريكي
يبدو أن الأسبوع كان حليفاً للعملة الخضراء على الرغم من تحسُّن ملحوظ في العزوم الشرائية الخفية للذهب الأصفر الذي يؤسس عند مستوى 1.139 دولار للأونصة. أما الدولار حالياً فيسجل 77.75 أمام سلة عملاته بشكل واسع، والأسباب سنذكرها لاحقاً. أما النفط فمع توقعات بارتفاع مخزوناته الأمريكية إلى 2.2 مليون برميل وبعض الأرقام السلبية للنتائج المالية المصرفية وسياسة جديدة متحفظة من الصين ساهمت في خفض خام نايمكس إلى مستوى 77 دولاراً للبرميل .
ثمة أرقام متباينة ومهمة أعلن عنها، إضافة إلى موسم النتائج المالية للشركات الأمريكية، لكن لنبدأ الحديث عن أهم الأرقام، ومنها نمو صافي التدفقات النقدية بعيدة المدى إلى 126.8 مليار دولار لشهر نوفمبر مقارنة بنحو 20.7 مليار دولار لنفس الفترة التي تشير إلى تدفقات نامية للسيولة تدخل الاقتصاد الأمريكي. أما بشأن أسعار المنتجين لشهر ديسمبر فتراجع نموها إلى 0.2% مقارنة بنمو سابق 1.8% على المقياس الشهري. أما على السنوي فتراجعت 4.4% بسبب قلة المعروض من المنتجين مع خفض للأسعار، وهو ما أثر على أسواق الأسهم وهبوطها من قمم سعرية جديدة سجلت مطلع الأسبوع، وجاء ذلك متزامناً مع تراجع عدد المنازل حديثة الإنشاء إلى 557 منزلاً لشهر ديسمبر، لكن ما زالت منتعشة إلى حد ما.
وحول أرقام الموسم الرابع والنهائي فإن أبرز ما أعلن كان من قطاع المصارف، بداية من (Bank of America) أكبر بنك، الذي جاءت خسائره فوق التوقعات (5.2 مليار دولار للربع الأخير)، مع صافي أرباح سنوية 6.3 مليار دولار مقارنة بنحو 4 مليارات دولار للعام الماضي. لكن نشير إلى أنه سدد قيمة جيدة من قروض الحكومة التي قدمتها له. أما ستي جروب (ثالث أكبر بنك أمريكي) فخسر 1.6 مليار دولار، وهي أقسى نتيجة تلقتها الأسواق في الأسبوع. وأخيراً (Morgan Stanley) صاحب الإعلان الأكثر تفاؤلاً؛ حيث أعلن عن أرباح 23.4 مليار دولار نتيجة الاستثمار في الأسواق المالية. والمستثمرون يترقبون نتيجة بقية القطاعات، وتوقعاتهم تشير إلى أن استراتيجية خفض التكاليف وإعادة الهيكلة قد تكون طاغية ولا تفتح شهية التجار هناك برصد توقعات بنمو مذهل في عام 2010م، وهذا من شأنه على المدى البعيد أن نرى الدولار في حال أحسن العام القادم.
اليورو مقابل الدولار الأمريكي
كسر الزوج مستوى 1.42 بعنف نتيجة سوء الأنباء القادمة من منطقة اليورو، وتم تأجيل المسار الأفقي، ويستهدف حاليا مستوى 1.37 لإكمال مهمة التصحيح، وربما يكون كسراً مؤقتاً خلال يناير، والارتداد مرشح حدوثه، لكن تبقى المخاطرة عالية بالنسبة إلى تجار هذا الزوج.
الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي
تمت الزيارة السريعة لمستوى 1.62، واخترق أحد خطوط الاتجاه الهابط الفرعية وسط نشاط ملحوظ للمضاربين واهتمام بالغ فيه؛ ما يدل على أن الزوج بدأ ينشط وينتعش من جديد، ومستوى 1.66 مرجح التداول عنده في الأسبوع القادم، لكن الطريق طويل، وما زال أمامه مقاومة صعبة عند 1.66، باختراقها يمكن أن يقوم تجاره باختبار مناطق قديمة جداً وبدء رالي مشترين على المديين المتوسط والبعيد.
الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني
تفوق للدولار على حساب الين العنيد، وتأسيس جيد للمشترين عند 90.10، ومستوى 92.5 هو نقطة التقاء مع الاتجاه الهابط، وهي وشيكة، لكن هذا اللقاء سيكون ساخناً، ومن هنا تبدأ المخاطرة في الزوج. وبشكل عام هي مرحلة إعداد لمسار جانبي طويل بدأ من يناير الحالي.
اليورو
مفاجأة من العيار الثقيل أثقلت كاهل المستثمرين في منطقة اليورو، خصوصا ألمانيا التي أعلنت عن انكماش قوي في مبيعات التجزئة لشهر ديسمبر على المقياس السنوي بنحو 5.2% مقارنة بانكماش سابق 5.9% ناتج من تراجع أداء المنتجين أخيراً، لكن بالنظر إلى تفاصيل التقرير يظهر أن حجم الطلب لا يعبِّر عن مقارنة عادلة؛ حيث كان ضعيفاً بسبب تحفُّظ المنتجين، لكن أسواق المال لا تبحث عن المبررات؛ بل تهتم بالنتائج فقط. ومع قلة التقارير الاقتصادية الصادرة من أوروبا وسلبية ما تم الإعلان عنه وتحييد لدول مهمة كإيطاليا وفرنسا نجد أن اليورو في موقف صعب، لكن المركزي الأوروبي سعيد بذلك؛ ليتمكن من تسويق صادراته بيُسر خلال الربع الأول من هذا العام.
الجنيه الإسترليني
أثبت قطاع العقار (أحد أهم الروافد الاقتصادية في بريطانيا) أن الانتعاش كان سمة ملازمة له خلال 2009م؛ حيث ظهرت نتيجة مؤشر (rightmove) لأسعار المنازل وفق قراءة يناير مرتفعة 4.1%. جاء ذلك نتيجة تحسُّن قطاع الخدمات المصرفية والعقارية بسبب نجاعة خطط الإنقاذ. أما بشأن أسعار المستهلكين التي تعبِّر عن التضخم فأظهرت نمواً رائعاً سنوياً عند 2.8% لشهر يناير مقارنة بالقراءة السابقة التي نمت 1.9%، حتى مبيعات التجزئة لنفس الفترة نمت 2.4% مقارنة بنمو 0.3%. لماذا؟ لأن الطلب الحقيقي اكتسح سوق المساكن (القطاع الأكبر في مبيعات التجزئة) كما تمت الإشارة إليه. من جهة أخرى أُعلن عن انخفاض معدل البطالة الربعي وفق مؤشر (ILO) لشهر نوفمبر إلى 7.8% مقارنة بالنسبة السابقة 7.9%، وتبيَّن تراجع حدة تسريح الموظفين في البلاد. وبشكل عام يظهر أن بريطانيا تعيش أياماً حلوة من حيث البيانات الاقتصادية، لكنها جاءت متأخرة، والظروف تقف بجانب تجار العملة الملكية حيث الزخم حليفها.
الين
الشموع اليابانية تبدو باهتة هذه الأيام، ولم يحن إشعالها في طوكيو لأسباب عديدة، أولها ندرة الأرقام المهمة بشأن المنتجين والمستهلكين والمركزي الياباني، والأمر الآخر هو الترقُّب الذي يسود أرجاء الأسواق هناك بسبب النتائج المالية لكبرى الشركات اليابانية. وهناك تقارير من منظمات عالمية تشير إلى أن الطلب الحقيقي غير متواجد في أسواقها بسبب تدفق السيولة منها إلى أسواق الصين، وتوقعات تشير إلى أنها في طريقها للعودة بعد سياسات الكبح المفاجئة من الصين، وما زالت عمليات خفض التكاليف على قدم وساق بشأن أداء الشركات هناك.
(تم إعداد التقرير منتصف جلسة الأسواق اليابانية أمس الأول الساعة 4 صباحاً بتوقيت جرينتش)