كنا في الصف الثالث الثانوي بمعهد عنيزة العلمي، وقرر كبار الفصل ترك الحصة الأخيرة لعلمهم بغياب معلمها، رغم وجود معلم انتظار لم يحن وقت وصوله؛ فتابعهم معظم الصغار جاهلين أو مسايرين، والنتيجة لجنة تحقيق من مدير المعهد الأستاذ محمد الحميدي ووكيله الأستاذ عبدالله الصائغ - أمد الله في عمريهما -، والشيخ محمد العثيمين - غفر الله له -، وجرى حسم درجة سلوك «جزاء وفاقا» - كما ورد في إعلان العقوبة - وتخرجنا بأربع عشرة درجة في حقل السلوك، وكان درساً بليغاً تعلمنا مثلما تألمنا منه.
وعينا أن التعليم انضباط، والسلوك استحقاق ذاتي، وكاد ثلة فينا يخفون شهادة «الامتياز» لاعتوارها بمثل هذا النقص المشين؛ فرحم الله زمان اللبن.
جنى على التعليم مَنْ جعل الطالب مديراً، وولي أمره وزيراً؛ فويل لمن عاقب أو حتى عاتب، وأبناؤنا وبناتنا - بزعم آبائهم وأمهاتهم - أحسن الناس، وتربيتهم أفضل تربية، وإذ نفتش في الواقع أو نستقرئ الوقائع نعرف أن الحقيقة مُرّة لمن جهلها أو تجاهلها، ولا يهم ذلك؛ فما يريدونه سيحصلون عليه: نجاح باجتياز وسلوك بامتياز.
وللأسف؛ فربما كانت الورقة الأقل قيمة لا نحتاج فيها إلى وسائط أو توسلات، وقد تطلب عبر الهاتف، أو من خلال صديق، وفي الأعم فإنها منحة لمن شاءها ومَنْ لم يشأها، تلك هي «شهادة حسن السيرة والسلوك» ذات العبارات المنمطة المنتظمة التي لا يبقى فيها سوى ملء فراغات الاسم والجهة والتاريخ.
رافقتنا هذه الشهادة في مراحل الدراسة، ولم تكلفنا أكثر من طلبها، وفي سائد العملية التعليمية، اليوم، أن مَنْ كانت عليه ملاحظات في مدرسة «ما» يقنع بالانتقال إلى مدرسة أخرى، وتضمن له الدرجة الكاملة في السلوك، وشهادة بيضاء من غير سوء، ولو كان ملفه أسود بلون حبر السقوط الأخلاقي الذي تردت فيه الأمة ومؤسساتها.
المقدمات تفضي إلى النتائج، والاستهلال الخاطئ يقود إلى نهايات متعثرة، وما دمنا اعتدنا على نظافة السيرة ولو لم نكن؛ فلا بأس إن زكينا بعضنا بتكاذب دون تحاسب متناسين أنه تعالى أعلم بمَنْ اتقى، وفي الشأن العام لا معنى لثقة مطلقة؛ فالنظام العادل هو الحاسم في تحديد الخطوط المستقيمة والمنحنية والدائرية.
وإذن؛ فالمشكلة تبدأ من طالب المدرسة الذي يعلم ارتكابه المخالفات ونجاته من تبعاتها بتوقيع وختم واعتماد، وتكتمل بالمسؤول الذي يعلم أنه ظلم وتجاوز وقصر مطمئناً إلى شهادة حسن سيرته وسلوكه التي ستأتيه من بني أبيه؛ فصوت المتضررين هو الأخفت بل الأخفى.
مَنْ يحذر «السيجارة» الأولى يمتنع عن التدخين، والذي يلتزم بالمبادئ صغيراً يدافع عنها كبيراً.
الأخلاق لا تتجزأ.
Ibrturkia@gmail.com