الجزيرة الثقافية - سعيد الدحية الزهراني :
في أربعة كتب.. وثّق نخبة من المؤلّفين تاريخ أسرة سعودية عُرفت بوطنية أبنائها وصدق انتمائهم وولائهم إلى جانب أصالتها نسباً وجذوراً.. وهي أسرة (آل إبراهيم).. ويأتي الكتاب الأول للأستاذ أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري بعنوان: آل إبراهيم الفضليون.. إضاءة جوانب من تاريخنا المحلي، إلى جانب الكتاب الثاني وهو: عبد العزيز بن إبراهيم البراهيم.. ضمن سلسلة (رجال حول الملك عبد العزيز) للدكتور عبد الله بن سعيد بن أحمد أبو راس.. وكذلك كتاب عبد العزيز بن إبراهيم آل إبراهيم للأستاذ الدكتور إبراهيم بن محمد الزيد.. ثم كتاب: سيرة الشيخ إبراهيم بن عبد العزيز آل إبراهيم للأستاذ نجدة فتحي صفوة.. حيث تأتي الكتب الثلاثة الأخيرة في طبعتها الثانية.. في حلة فاخرة طباعة وإخراجاً.. ليتتوّج هذا العمل التأليفي الراقي بالمحتوى العلمي الموثّّق الدقيق.. لأسرة صنعت عبر رموزها تاريخاً إنسانياً ووطنياً وإدارياً مشرفاً وخلاَّقاً.. وتأتي هذه القراءة عبر إهداء كريم قدّمه الشيخ خالد بن إبراهيم بن عبد العزيز آل إبراهيم لصحيفة الجزيرة .. حيث تسعى هذه القراءة إلى تسليط الضوء على هذا المنجز العلمي الذي يتناول أنموذجاً وطنياً بليغاً شكلته أسرة آل إبراهيم عبر امتدادها التاريخي الوطني العريق.
آل إبراهيم الفضليون
ففي الكتاب الأول (آل إبراهيم الفضليون) للشيخ الظاهري.. يذكر المؤلف: هذا السفر عن آل إبراهيم كتاب تراجم فحسب يتناول تاريخ حياة كل من: عبد الرحمن بن إبراهيم. - عبد العزيز بن إبراهيم. - إبراهيم بن عبد العزيز البراهيم.
وما دام هذا السفر خالصاً للسيرة فإنني أقدم بين يديه نبذة عن عموم أسرة آل إبراهيم من ناحية تاريخ الأحداث لا تفريعات النسب، ويدخل في تاريخ الأحداث الكلام عن موطنهم بنجد. والمعروف أن بلد آل إبراهيم (أبا الكباش).وأبا الكباش قرية ومزارع تقع في رحبة واسعة من وادي العمارية ما بين خشم الطرف والفريدة.وهي بلدة قديمة، ولا يبعد أنها التي ذكرها الهمداني باسم مهشمة مجاورة للعمارية.
ابن إبراهيم بإجمال
ولد رحمه الله سنة 1293هـ في مدينة الرياض.
وهكذا وجدت في أوراق ابنه معالي الأمير إبراهيم رحمهما الله. ووجدت في موضع آخر أن مولده سنة 1295هـ. وذكر محيي الدين رضا في رحلته إلى الحجاز سنة 1353هـ أن ابن إبراهيم يومها في الستين من عمره.قال أبو عبد الرحمن: وعلى هذا يكون مولده سنة 1293هـ. وسيأتي إن شاء الله أهم أحداث تاريخ حياته مرتباً بالتسلسل الزمني. وحفظ أجزاء من كتاب الله، وتعلّم القراءة والكتابة على بعض المشايخ في الرياض وفي الأفلاج.وكان انتقاله إلى الأفلاج مع أميرها والده إبراهيم ومع جده عبد الرحمن.وأحب أن أتناول هاهنا أحوالاً عامة من تاريخ حياته لا تخضع للتسلسل الزمني.فمن ذلك أن الرجل عميد بيت، وذو تاريخ في خاصة نفسه، وجبهة في حكومة الملك عبد العزيز، وقد جمع بين هيبة الزعيم وأريحيته.وأكثر مدة قضاها في الإمارة يوم كان أميراً لمنطقة المدينة المنورة، وكان في هذا المكان مقصداً للحجاج والمعتمرين من الأمراء والزعماء والقادة ورجال العلم والفكر.
وكان محل الثناء والشكران من قبل كل هؤلاء.وهكذا كان اختيار الملك عبد العزيز له في الإمارات الثلاث موفقاً سديداً مثل اختياراته الأخرى العديدة لمن يوليهم - من رجاله الأكفاء - المناصب المهمة في البلاد في تلك الحقبة الأولية.وكان الأمير عبد العزيز بن إبراهيم يجمع بين الحسنيين: الحزم والشجاعة إلى الكرم والإيناس والبشاشة والحكمة والإلمام بعلم النفس: نفس البريء ونفس المجرم.وله فراسة نفَّاذة في الناس الملتوين، فترى أقواهم شكيمة وأعمقهم حيلة وإصراراً كثيراً ما يتساقطون في شباكه التواءاتهم التي تكشفها بدقة وسرعة فراسة الأمير العبقري المحنك.ولاجتماع هذه الخصال الحميدة في شخصيته: فإنه يعد بحق من الأمراء البارزين تاريخياً وإدارياً وفعلياً بصفاتهم وشمائلهم الممتازة.وكان عربي الصفات والسمات قمحي اللون صافي الإهاب، طوالاً بين الرجال أدعج العينين، سبط أنامل الكفين، عريض الجبهة، واسع الفم مهيب الطلعة، ذا لحية أقرب إلى الكثافة، وذا صوت جهوري نفاذ.
ابن إبراهيم في حائل وعسير والطائف والمدينة
جاء في أوراق معالي الأمير إبراهيم رحمه الله: إن ابن رشيد بعد استيلائه على نجد نقل أمير الأفلاج إبراهيم بن عبدالرحمن آل إبراهيم وابنه عبدالعزيز إلى حائل سنة 1315هـ.
وبقي عبدالعزيز في حائل إلى أن استولى عليها الملك عبدالعزيز سنة 1340هـ. وعندما انتقل مع الملك إلى الرياض كان متعلماً للقراءة والكتابة وأحكام الشريعة إذ كان من أوساط مثقفي زمانه.وكان في حائل يمارس التجارة، وانتهى ما وجدته في الأوراق المذكورة. وكان سريا نبيلاً مقدماً لدى آل رشيد. وهكذا وجد آل رشيد بيت إبراهيم بيتاً بارزاً لدى آل سعود منه الأمراء والقادة. فاستخلصه ابن رشيد لموهبته الشخصية ولسابقة بيته. ثم يأتي المؤلف الشيخ الظاهري بعد عرض مفصل لرحلة حائل وعسير ليذكر: أجمعت المصادر التي تناولت تاريخ منطقة عسير أثناء هذه الفترة، وكذلك أولئك الذين عاصروا فترة سنوات المحنة: بأن بداية عهد الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم تعد البداية الحقيقية للوجه المشرق للعهد السعودي، حيث تمكن من تثبيت السلطة وإشاعة الأمن والاستقرار، والقضاء على كل ما يعرقل مسيرتهما في وقت كان الناس في أمس الحاجة إلى سلطة مركزية. تنظم شؤون البلاد، وتستجيب لأهم متطلبات الإنسان، وتشيع الأمن بمنع اعتداءات بعضهم على بعض باسم موال أو معاد أو خائن أو مرتد. فأمن الناس من تعديات السلطة عليهم، ونظم علاقة حضارية بينهم وبين السلطة. وقدم ابن إبراهيم إلى أبها في أواخر شهر شوال عام 1341هـ والفوضى ضاربة أطنابها والأمن معدوم، وشبح المجاعة يخيم على البلاد. وزاد من شدة الوطأة قلة الأمطار في السنتين الماضيتين. والبدو يعيثون في بلاد الحاضرة، ويكفرون الناس لكي يسلبوهم أموالهم من غير رادع يردعهم. فابتدأ حكمه بالضرب بيد من حديد على أيدي العابثين بالأمن، ومنتهكي، الحرمات، ومرتكبي السرقات. ولعل ما توج به أعماله أثناء فترة إمارته القصيرة في أبها هو حسن تصرفه في استمالة آل عائض وإقناعهم بالدخول في مفاوضات تضمن لهم سلامتهم، وبالتالي سلامة الإقليم من القلاقل والفتن، فاستجابوا لدعوته، فضمن لهم الأمان، وتعهدوا للحكومة بالطاعة، وبذلك قضى على أسباب الفتن. جاء في أوراق معالي الأمير إبراهيم- رحمه الله-: إن ابن إبراهيم عاد من عسير إلى الرياض، ثم رافق الملك عبدالعزيز - رحمهما الله - إلى مكة المكرمة بعد أن تم استيلاء جيش الملك عبدالعزيز على الطائف في عام 1343هـ، فعين الملك عبدالعزيز الأمير ابن إبراهيم أميراً للطائف، وذلك عند توجه الملك إلى حصار جدة. ويتبع منطقة إمارته بلحارث، وثقيف، وبنو مالك، وزهران، وقسم من غامد. بقي ابن إبراهيم إلى نهاية عام 1345هـ أميراً على منطقة الطائف. وفي عام 1346هـ عينه الملك عبدالعزيز أميراً على منطقة المدينة. وقد بقي إلى عام 1355هـ حيث طلب الإعفاء لظروفه الصحية، فعين عضواً في مجلس الوكلاء.
هكذا جاء في أوراق معالي الأمير إبراهيم وجاء في أقباس شيخنا عبدالقدوس الأنصاري - رحمهما الله - ما يلي عن أمراء المدينة: (أول أمير سعودي للمدينة سمو الأمير محمد بن عبدالعزيز آل سعود، ووكالة عنه كان أميرها إبراهيم السالم السبهان، من أهل حائل من 19 جمادى الأولى 1344هـ حتى نهاية جمادى الآخرة 1345هـ. ثم عين أميراً بالوكالة - أيضاً - الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم من 10 ربيع الثاني 1346هـ إلى 13 ربيع الثاني 1355هـ. وعندما باشر عمله في المدينة المنورة بذل جهده في بسط الأمن، ومعاقبة المجرمين وقطاع الطرق بلا هوادة، وقد عامل أهل المدينة والوافدين عليها بالحسنى واللطف، وكان مجلس الأمير الليلي عبارة عن منتدى يقصده الأعيان والعلماء والأدباء والمؤرخون فإلى جانب أنه أمير بارز، فهو مؤرخ حضر شيئاً من المعارك، وشهد وقائع مع الملك عبد العزيز، وله تجاربه الخاصة خلال قيادته بعض السرايا والجيش في عسير والطائف، وحينما بدأ عمله في مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت لديه حصيلة كبيرة من التجارب في إدارة الأقاليم، والتعامل مع القضايا والمشكلات الأمنية والعسكرية.
الأمير إبراهيم بن عبدالعزيز
ابن إبراهيم
لازم إبراهيم والده - رحمهما الله - وقام بمساعدته وبتولي بعض أعماله الخاصة. وتلقى تعليمه في الكتاتيب بالرياض على يد الشيخ عبد العزيز بن سالم. ثم درس منهجياً بالطائف لمدة سنة واحدة. ثم أتم تعليمه بالمدينة المنورة. وعمل مع الملك فيصل - رحمهما الله - عندما كان نائباً عن الملك عبد العزيز في الحجاز.
ثم تعيّن أميراً على منطقة القنفذة فيما بين عام 1371و1381هـ. ثم تعيّن وكيلاً لإمارة منطقة مكة المكرمة إلى عام 1389هـ. ثم عمل بوزارة الداخلية مستشاراً. وفي عام 1390هـ تعيّن وكيلاً لإمارة منطقة عسير، وكان الأمير فهد بن سعد، وقد تأخرت مباشرة سموه، وكان يقوم بالعمل معالي الأمير إبراهيم. وبعدما باشر سمو الأمير فهد في حائل تعيّن صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أميراً لعسير. وقد صرح سموه (وهما بمطار بيشة يستقبلان صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز) بأن ابن إبراهيم علّمه فن الإدارة. وفي عام 1398هـ تعيّن أميراً لمنطقة الباحة. والباحويون من غامد وزهران يحبون الأمير ويقدرون مجهوداته وسهره على خدمة هذه المنطقة وخدمتهم بإخلاص وأمانة ورفق وعدل وحزم.
رجال حول الملك عبدالعزيز..
عبدالعزيز بن إبراهيم
آل إبراهيم
أما الكتاب الثاني فهو كتاب: عبدالعزيز بن إبراهيم آل إبراهيم من سلسلة (رجال حول الملك عبدالعزيز) للدكتور عبدالله أبو راس.. حيث يذكر: يصدر هذا الكتاب عن الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم آل إبراهيم، بوصفه إحدى الشخصيات الفذة التي نالت شرف العمل مع القائد العبقري الملهم الملك عبدالعزيز آل سعود وكان موضع ثقته وتقديره طوال حياته، وكان له من المواقف والأعمال الوطنية ما هو جدير بأن تطلع عليه الأجيال الصاعدة، لتجد القدوة والمثل والنموذج في سير أبطال الوطن العزيز. ويضيف المؤلف: وقد حرصنا أن نفتتح الكتاب بعرض عن أسرة آل إبراهيم وموطنها ونسبها، وأن نعرف القارئ ببني لام، وآل فضل، وموطن الفضول، قبل الحديث عن أسرة آل إبراهيم ونسبها، وأفرادها وفروعها، وقد أعقبنا هذا الفصل بفصل ثانٍ عن بداية علاقة آل إبراهيم بالأسرة السعودية الحاكمة في مراحل تاريخية متقدمة قبل ظهور الملك عبدالعزيز آل سعود يرحمه الله. تبدأ سيرة الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم آل إبراهيم بالدور الفريد الذي قام به بوصفه رسول السلام، الذي حقق، بحكمته وقدرته على التفاوض والإقناع، انضمام حائل إلى مسيرة توحيد المملكة، فاختتمت بذلك حقبة من الصراع الطويل، وكان هذا بداية مباركة لمسيرة التوحيد الكبرى، وقد خصصنا لعرض دوره في هذه المرحلة جزءاً كبيراً من الفصل الثاني. أما الفصل الثالث فقد خصص للتعريف بشخصية الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم، مولده، ونشأته، صفاته، وتعليمه وثقافته، وذلك لرسم خلفية لدى القارئ قبل تقديم أدوار صاحب الكتاب والمهام الوطنية التي قام بها.
وتتلاحق فصول الكتاب ومفرداته، لتتابع أعمال الأمير في خدمة الملك الموحد، والتي بدأت بمهمته الصعبة في عسير، وتصرفه الحكيم في معالجة تمرد آل عائض إبان إمارته عليها، وتحقيق الأمن والسلام في هذه البقعة من الوطن، وهو الدور الذي أهله بعد ذلك ليكون أول أمير سعودي على الطائف في العصر الحديث، فأميراً على المدينة المنورة لمدة عشر سنوات متواصلة، وأخيراً تعيينه عضواً في مجلس الوكلاء، الذي كان بديلاً عن مجلس الوزراء الحالي، ليبلغ بذلك قمة الحكم وأعلى مراتب العمل الإداري في الوطن العزيز.
وقد أفردنا فصلاً خاصاً، هو الفصل السابع، لتسليط الضوء على شخصية الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم، وما تميز به - يرحمه الله- من خصال وسجايا وسمات خاصة وذلك من خلال أقوال عدد كبير من المؤرخين، والكتاب الذين عاصروه، كما أوردنا بعض القصص للدلالة على قوة إرادته، وحزمه، وقدراته المتميزة في معالجة القضايا والأمور المختلفة، وكذلك في إقرار الأمن والطمأنينة، والضرب على أيدي العابثين والمخالفين وبسط سلطة الدولة وهيبتها في المناطق التي تولى إمارتها. كما خصصنا الفصل الثامن، للحديث عن أبرز أفراد أسرة آل إبراهيم، بعد الأمير عبدالعزيز آل إبراهيم، وهو ابنه إبراهيم بن عبدالعزيز آل إبراهيم -يرحمه الله- الذي كان واحداً من الذين خدموا الوطن في أكثر من موقع، حيث بدأ مشاركته في خدمة الوطن في عهد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- عندما أصدر قراراً بتعيينه أميراً للقنفذة، لتبدأ من هذا التاريخ رحلة أربعين عاماً قضاها الأمير الراحل في خدمة دينه ومليكه ووطنه، كما تناولنا في الفصل نفسه الأبناء والأحفاد الذين يعتزون بأن لكل منهم دوره في خدمة الوطن. وتبقى تجربة الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم آل إبراهيم، منذ ولادته وحتى وفاته -يرحمه الله- نموذجاً فريداً في خدمة الوطن، والتعلق والارتباط بالبطل الموحد، مما يجعلنا نفتخر بأن نقدم سيرته لأبنائه، من شباب الوطن، وللأجيال القادمة ليترسموا خطى آبائهم وأجدادهم الذين شاركوا في صنع المعجزة، وهي إقامة كيان المملكة العربية السعودية الكبير على رمال الصحراء، وليعملوا جاهدين من أجل المشاركة بجهدهم، وفكرهم في مسيرة التطور والرخاء والتنمية، ليكونوا ضمن كواكب الوطن الغالي المنيرة.
عبدالعزيز بن إبراهيم
آل إبراهيم
أما الكتاب الثالث فهو بعنوان: عبدالعزيز بن إبراهيم آل إبراهيم للدكتور الزيد.. حيث يستهل المؤلف كتابه قائلاً: إن أمراء الأقاليم قاموا بجهود كبيرة لا تنسى في ظروف سياسية واجتماعية صعبة، وتحملوا عبئاً ثقيلاً من ناحية نشر الأمن، وإيقاف الحروب القبلية، ومحاربة الفساد والظلم، وإدخال الطمأنينة إلى قلوب الناس، إلى جانب حمل رسالة الدولة الجديدة والدفاع عنها، خاصة رسالة الإصلاح الديني، ومحاربة البدع والخرافات ودعاتهما، لقد امتشق الولاة الحسام فما وهنوا ولا استكانوا حتى استقام الناس على الحق، وعادوا إلى الترابط والتوحد، فقام في جزيرة العرب مجتمع جديد، هو مجتمع الإيمان والوحدة في الهدف والمصير المشترك، وقام الأمراء في المقاطعات بحماية ذلك التوجه وحراسته، كل في موقعه، فتحولت جزيرة العرب إلى واحة أمن وسلام واطمئنان فقدته الجزيرة العربية قروناً، ومن أولئك الولاة وأمراء الأقاليم الأمير المخلص لدينه ودولته، الحازم في عمله وإدارته، الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم آل إبراهيم- يرحمه الله- الذي عينه مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز آل سعود -يرحمه الله- أميراً في منطقة عسير، ثم أميراً في الطائف، كما نقله وعينه أميراً في مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
الأمير عبدالرحمن بن إبراهيم
لقد كان لهذا الأمير - يرحمه الله - شهرة في الدولة السعودية الثانية، حيث تولى الإمارة في عهد الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد ابن سعود - يرحمهم الله - ويبدو أن أول إمارة وليها هي إمارة مدينة ضرما، ثم في عام 1263هـ أرسله الإمام على رأس سرية وأمره أن ينزل في قصر البريمي في عمان، وفي 16 شعبان من عام 1270هـ قام أهل مدينة عنيزة في القصيم بإخراج الأمير جلوي بن تركي، أخي الإمام فيصل، وكان قد عينه الإمام فيصل أميراً لعنيزة، وحينما علم الإمام بهذا التطور كتب إلى جميع البلدان وأمرهم بالجهاد، وأمر عليهم عبدالرحمن بن إبراهيم، وأمره بالمسير إلى أهل بريدة.
الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم
كان عبدالعزيز بن إبراهيم - يرحمه الله - واحداً من ستة أبناء للأمير إبراهيم، وخلال وجود الأسرة في مدينة حائل حقق آل إبراهيم، وخاصة عبدالعزيز، مكانة مرموقة لدى أمير حائل فعندما حاصر الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - مدينة حائل في عام 1340هـ وضيق المسالك على أهلها وأمرائها ساءت أحوال الناس وكثرت معاناتهم، ألح الناس على محمد بن طلال بن رشيد بوجوب مصالحة الملك عبدالعزيز، وما زال به عبدالعزيز بن إبراهيم وفوضه في التفاوض مع الملك عبدالعزيز والتوقيع نيابة عنه، فخرج ابن إبراهيم من المدينة المحاصرة إلى مخيم الإمام عبدالعزيز وانتهت المفاوضات بأن يسلم بن طلال ومعه آل الرشيد ويعيشون في كنف الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - يرحمه الله - بعيدين عن حائل، على أن يعفو عبدالعزيز عن كل من اشترك مع ابن طلال في الحرب من رجال إمارته وأتباعه ورعيته ومن والاه عفواً شاملاً، وبعد الاتفاق جاء محمد بن طلال بن رشيد يرافقه عبدالعزيز بن إبراهيم وسلم نفسه وأعيان قومه للإمام عبدالعزيز في 29 صفر 1340هـ، وقد اشترك في المفاوضات والتسليم الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي يرحمه الله.
إمارته في أبها
بعد أن انضمت حائل إلى الرياض رجع عبدالعزيز بن إبراهيم إلى بلدة الرياض بناء على توجيه من الملك عبدالعزيز، وفي عام 1341هـ أي بعد سنة من العودة إلى الرياض بعائلته أمره الملك - يرحمه الله - بالتوجه إلى أبها ليعمل أميراً هناك، وكانت الأحوال السياسية والعسكرية غير مستقرة.
إمارته في الطائف
دخلت القوات السعودية مدينة الطائف يوم 7 صفر 1343هت ثم توجهت تلك القوات إلى مكة المكرمة بلباس الإحرام غير مقاتلة فدخلوا مكة يوم 17 ربيع الأول من نفس العام، وما كان لعبد العزيز أن يستقر في الرياض ورجاله وجنده في مكة عرضة للمفاجآت السياسية وتقلب الأحداث، فأزمع السير فغادر الرياض يوم 13 ربيع الثاني 1343هـ يرافقه زهاء ثلاثمائة من آل سعود وآل الشيخ وأعيان القوم وقبل أن يتوجه من قرن المنازل، المسمى اليوم السيل الكبير، وهو ميقات الإحرام إلى مكة المكرمة، محرماً أرسل يستدعي عبدالعزيز بن إبراهيم، وكان من بين من رافق الملك في رحلته التاريخية هذه من الرياض إلى مكة المكرمة، فأمره بعدم الإحرام وعينه أميراً للطائف في يوم 28 جمادى الأولى 1343هـ فوصل إلى الطائف في ظروف سياسية وعسكرية واجتماعية حساسة بعد معركة (الحوية) ودخول الطائف ومعارك (الهدى) بثلاثة أشهر، وهذا يعني أن مهمة الأمير الجديد، أول أمير سعودي للطائف في الدولة السعودية الثالثة، توطيد الأمن في الطائف والطرق المؤدية إليها وفي كل القبائل المحيطة وقد اتبع سياسة الحزم والشدة في معاقبة المجرمين، خاصة اللصوص وقطاع الطرق وقاد حملات عسكرية ناجحة لإخضاع قبائل الطائف ونجح في مهمته تلك، فأصبحت الطائف بما حولها جبهة قوية تدعم صمود الجيش الذي كان يحاصر مدينة جدة من عام 1343هـ إلى جمادى الآخرة عام 1344هـ. لقد كان للأمير عبدالعزيز بن إبراهيم هيبة في القلوب وخاصة قلوب المجرمين وكان موفقاً وملهماً في الكشف والتعرف على شخصيات مرتكبي الجرائم وتسجيل اعترافاتهم، وذكر ذلك الشيخ علي الطنطاوي يرحمه الله، في برنامجه التلفزيوني (نور وهداية).
إمارته في المدينة المنورة
في الثامن عشر من شهر صفر من عام 1346هـ أصدر الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - أمراً بنقل الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم - يرحمه الله - من إمارة الطائف وعينه أميراً في المدينة المنورة وهو نقل تكريم وتشريف.
رعاية الأمير للأدب والثقافة
يقع مسكن الأمير في حي (النقا) في المدينة المنورة، ويتخذ من سطح المنزل الذي يفرش بفرش بلدي وثير جذاب مجلس سمر في الليل، فإلى جانب إمتاع الأمير المجلس فهو يحوي الأدب والتاريخ والذكريات والقصص التاريخية ومذكرات علم وأدب وشعبيات طريفة، وقد رعى مسيرة مجلة (المنهل) حينما كانت فكرة، وكان كما يقول صاحبها عبدالقدوس الأنصاري حريصاً كل الحرص على أن تصدر المجلة في سني ولايته في المدينة المنورة، وقد كان صاحب المجلة من موظفي ديوان الإمارة، حيث تعين في الإمارة باختيار الأمير نفسه، وكان يقوم برعاية التعليم وكانت الاختبارات النهائية تتولاها لجنة برئاسة أمير المدينة وقد كانت تستمر شهراً، وكان - يرحمه الله - يرعى حفلات المدارس النهائية في المدينة تشجيعاً للطلاب والمدرسين مثل مدرسة العلوم الشرعية بالمدينة. وكان يقوم في نهاية كل عام دراسي بتوزيع الشهادات والجوائز على الطلاب الناجحين والفائزين، وقد أشاد به مدير ومدرسو وطلاب المدرسة المذكورة، وقد علق مرة وقد انتهى الخطباء من الإلقاء فقال: إني أشكر ناشري العلم لأن به حياة الأمم.
النقل لمجلس الوكلاء
بعد عمل حافل بالجد والنشاط ما يقرب من عشر سنوات أصدر الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - أمراً بنقل عبدالعزيز بن إبراهيم من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ترفيعاً ليعمل عضواً في مجلس الوكلاء في اليوم الثالث من شهر صفر عام 1355هـ، وهذا المجلس كان يقوم مقام مجلس الوزراء في عهد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وكان المجلس يعقد برئاسة الملك فيصل بن عبدالعزيز، يرحمه الله.
وفاته
استمر عبدالعزيز بن إبراهيم يعمل في مجلس الوكلاء بمكة المكرمة بعد نقله إليه من إمارة المدينة النبوية حتى أصابه مرض لازمه أشهراً، فسافر إلى مصر للعلاج، وقد صحبه في رحلة العلاج هذه ابنه معالي الأمير إبراهيم - وهناك في مصر توفي الأمير عبدالعزيز في عام 1365هـ (1946م) - يرحمه الله - عن عمر لا يزيد عن ثمانية وستين عاماً.
إبراهيم بن عبدالعزيز
آل إبراهيم
ويأتي الكتاب الرابع وهو بعنوان: إبراهيم بن عبدالعزيز آل إبراهيم.. للمؤلف الأستاذ نجدة فتحي صفوة حيث يبدأ بمقدمة حول تكوين الفقيد رحمه الله.. وفيها:
سنوات التكوين:
ولد الأمير إبراهيم بن عبدالعزيز البراهيم في حائل سنة 1335هـ(1917م) وبدأ تعليمه على طريقة ذلك العهد في الكتاتيب، ودرس على يد الشيخ عبدالعزيز بن سالم، وتعد هذه المرحلة بمثابة دراسته الأولية وكان للأمير عبدالعزيز آل إبراهيم ولدان فقط، هما إبراهيم وحمود، خلافاً لما هو معتاد لدى عرب نجد من كثرة الأولاد. ولكن لم يكتب للأمير عبدالعزيز أن يرى ولده الثاني حمود الذي ولد وهو بعيد في مصر، يلتمس العلاج، وتوفي فيها، ولذلك كانت عنايته بولده إبراهيم خاصة، لأن اهتمامه لم يكن موزعاً بين عدد كبير من الأولاد. عين والده الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم أميراً للطائف في 28 جمادى الأولى سنة 1343هـ 25 كانون الأول - ديسمبر 1924م، بعد فترة قصيرة من ضم هذه المدينة إلى حكم الملك عبدالعزيز آل سعود، وبذلك كان (ابن إبراهيم) - كما كان يعرف- أول أمير للطائف في عهد الدولة السعودية الثالثة.
والطائف هي تلك المدينة ذات التاريخ المجيد، وموطن بني ثقيف في الجاهلية، وفيها مرقد عبدالله بن عباس وعدد من صحابة الرسول وشهداء المسلمين الذين قتلوا حين حصار الطائف وبقيت أسماؤهم علماً في التضحية بالحياة في سبيل الحق، وهي أهم مصايف الجزيرة العربية منذ أقدم العهود، وقد عرفت ببساتينها وفاكهتها وعطورها، وحسن جوها، كما أنها نقطة مواصلات مهمة بين الرياض ومكة المكرمة وغامد وزهران وعسير ونجران.
بقي إبراهيم في هذه المدينة الجميلة مع والده نحو ثلاث سنوات، وفيها قضى طفولته، وفي ربوعها نشأ وترعرع وتأثر بجمالها الطبيعي وجوها اللطيف.
الإمارة الأولى: القنفذة
كانت القنفذة أول إمارة تولاها الأمير إبراهيم بن عبدالعزيز البراهيم وقد عين في هذا المنصب في عهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، بالأمر الملكي الصادر بتاريخ 26 ربيع الأول 1371هـ (25 كانون الأول - ديسمبر 1951م) وهو في الرابعة والثلاثين من عمره. لم يكن الأمير إبراهيم من جيل الملك عبدالعزيز، ولكن والده كان من أقرب رجاله إليه، ومن أكثرهم تمتعاً بثقته وقد اضطلع حتى ذلك الوقت بإمارة مناطق عدة، وكان من أقدر رجال الإدارة في المملكة، ولذلك لم تكن الإدارة والإمارة جديدتين على الأمير إبراهيم ولا غريبتين عليه، فقد نشأ في كنف ذلك الوالد المحنك الذي كان مدرسة في الإدارة والحكم، وحفلت حياته بذخيرة من التجارب قلما أتيحت لغيره. وكان الأمير الشاب يتابع أعمال والده وسيرته ويتدرب على يده، وكان منذ يفاعته فتى تلوح عليه علائم الفطنة والذكاء والطموح المتزن، وقد بلغ من النضح مستوى مرموقاً يؤهله أن يتولى في الدولة أعمالاً ذات مسؤولية لخدمة بلاده ومليكه ودينه، حتى إن والده أعد له مكتباً في الإمارة وهو في الثالثة عشرة من عمره، ليطلع فيه على سير الأمور في الإمارة، ويتدرب عليها، بل إنه كان يعهد إليه بتوقيع بعض المعاملات اليسيرة، ومن هنا كانت مرافقته لوالده لا في البيت فقط، بل في عمله الرسمي أيضاً دراسة قيمة وتجربة كبيرة.
وقد سبق للأمير إبراهيم أيضاً، إضافة إلى مرافقته الطويلة لوالده، أن عمل مدة من الزمن مع الأمير فيصل بن عبدالعزيز (الملك فيصل فيما بعد) عندما كان نائباً للملك في الحجاز ولذلك تكونت لديه فكرة جيدة وواضحة من أسلوب الإدارة وفن الحكم ثم عين بعدها وكيلاً لإمارة مكة المكرمة.