كيف لك وأنت بين كل هذه المساجد.. وعلى هذه المدينة التي لا تختلف كثيراً عن رائحة المدن العربية التي ألفتها، كيف لك أن تصدّق أنك في بلد لا تربطك به الصلة ولو بعضها، لن تصدق أبداً أنه ليس لتاريخك جذور ممتدة في ملامحها كشجر هذه المدينة الذي طالما أوحى لك بأنه ممتد في عمق ذاكرتك.. حتى البحر الذي يتسلّقه الجسر الفاصل بين الشرق وأوروبا يذكّرك أنك على أحد جوانبه لك نصيب.
كيف لك أن تشعر بغربة الروح وطالما كنت عانقت أرواحاً استقرت في جزيرة العرب وما حولها تبني لها سلطاناً وتجعل لها نفوذاً في بلادك التي لفظتها في مرحلة تحولت صداقتك معها إلى علاقة المستعمر بمستعمرته.
حتى اللغة العربية ستتردد على مسمعك كثيراً في الأحياء التي يكثر فيه المصطافون والعرب منهم ليفاجئك سائق التاكسي بلغتك التي يتحدثها أو نادل المطعم الذي يقرأ عليك قائمة الطعام الذي ترغب في تناوله كعربي من الشرق، أو حتى أولئك الذين لا تختلف ملامحهم عن ملامحك كثيراً والذين يعملون في المناطق التي يرتادها السياح وقرب البحر في نهر البسفور الذي لا يمكنك إلا أن تمتطي موجه في رحلة تصحبك فيها النوارس والغيوم القريبة من السماء إلى رحلة السندباد البحري.
تركيا كسبت التحدي الكبير واختيرت عاصمة للثقافة الأوروبية التي تحل ضيفاً على مدينة المآذن والكنائس والمدينة التاريخية الموغلة في العراقة والقدم بالإضافة إلى حيوية الحاضر بكل ألوانه.
هذا التنوّع الديني والعرقي والجغرافي والثقافي كان تأشيرة تتويجها عروساً للثقافة الأوروبية، وجسراً بين ثقافتين عظيمتين لطالما كانتا على خط التماس والمواجهة: ثقافة أوروبا وثقافة الشرق.
ألفا عام تشهدان على هذه المدينة الملهمة المتجذرة عميقاً في الماضي وفي تاريخ عريق، القسطنطينية الأسطورة التي فتحها الجيش العثماني الذي دخل بها عهد الدولة الإسلامية.. لتحمل هذه العاصمة ملامح من ثقافات عدة امتزجت لتعطيها صبغة عالمية تنفرد بها وتلتقي من خلالها أوردة الثقافة المختلفة.
عام 2010 عام الانتصارات لتركيا.. عام الثقافة بتتويجها عاصمة للثقافة الأوروبية والعام الذي ساق بشرى تكريم رئيس وزرائها رجب آردوغان جائزة الملك فيصل نظير الجهود التي قام بها لخدمة الإسلام والمسلمين.
هنيئاً للثقافة بهذا العرس وللحضارة التركية بهذا الاحتفال.. وللتاريخ بإشراقة الماضي في إطار عصري.. ولنا أن نترقب ما ستتحفنا به هذه المدينة المتنوّعة الثقافات.
من آخر البحر.. لسعد الحميدين
شفتاك أم عيناك.. لا،
مهما اجترأت فإن لي قلبا
وقلبي لن يبوح..
من قبل أن يأتي المساء
maysoonabubaker@yahoo.com