Al Jazirah NewsPaper Friday  22/01/2010 G Issue 13630
الجمعة 07 صفر 1431   العدد  13630
 
كيف نستدعي الأفكار المنسية
عيسى الصرامي

 

من الأسباب التي تجعلنا لا نستوعب ما نسمع - غالباً - أو لا تصلنا الفكرة كاملة عما يريدها المتحدث، هو دخول المتحدث في متاهات وتشعبات هو في غنى عنها، فمثلاً عندما يحدثك شخص عن موضوع مهم، وهو يناقشك بكل حماس تجد أن كلمة شدت انتباهه أو تحمس لها أكثر فتجدها غيرت مجرى الكلام أو وجهة الموضوع إلى منحى آخر فتبدأ سلسلة مواضيع ليس لها علاقة بالموضوع الأساسي الذي يدور حوله الحديث، وتبدو طويلة وربما مملة وليس لها آخر وكما يقال بالمثل الشعبي المصري - خرج من المولد من غير حمص - فكل موضوع نتحدث فيه لا بد أن تكون له قيمة، وله نهاية ينتقل بعده المتحدثون للموضوع الذي يليه لكي تعم الفائدة للناس، وحتى لا يكون هنالك متوالية لا نهائية من المواضيع المتسلسلة التي تشبه النوافذ المشرعة، مهما اختلفت وجهات النظر بيننا، فاختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، وليس مدعاة للهروب من موضوع إلى آخر، فعندما نستمر في مناقشة الموضوع الرئيسي مع اختلافنا في وجهات النظر، مع تمسك كل شخص برأيه، يجب أن يستمع ويصغي للآخر بوعي وتركيز، فإن ذلك سيجعل لنا قناعة بأن لكل شخص رأيه، ومن حقه أن يطرحه دون أن يلغي رأي ووجهة نظر الآخر، ومن يتمسك برأيه بكل عصبية ودون أي تفاهم أو استماع للآخر، فالأحرى به ألا يكون طرفا في نقاش على الإطلاق.

كثيراً ما نقابل أشخاصا يحملون الكثير من الأفكار والمعرفة ولكن توصيلهم للفكر والمعرفة بطريقة خاطئة يفسد عليهم عمق الفكرة وسلاسة الحوار، وروعة الموضوع، وخلاصة الرأي. ذلك لابتعادهم عن الفكرة الأساسية، قبل ايصالها للطرف الآخر، والدخول في متاهات حالت دون وصول الفكرة فالاحتفاظ بالفكرة الأساسية أمر مهم فكلما ابتعدت عنها ابتعدت عن جوهر الحوار والنقاش، وظل حديثك خاليا من المضامين، ومن الدلالات الايجابية.

عادة نبدأ الحوار بطريقة جميلة، وبهدف سام رفيع، لكن سرعان ما نجد من يقاطعنا في الحديث بشكل قوي وملفت، لأنه في الغالب داهمته فكرة طارئة فأراد أن يقولها بعجلة لأنه يتوقع إذا سكت عنها فسوف ينساها فلذلك نسمع دائما - تسمح لي أقاطعك - لكي يضيف شيئا للحديث وقد تكون هذه الفكرة المضافة تأخذه إلى اتجاه آخر ومن دون إدراك يخرج عن الموضوع الأساسي إلى موضوع آخر، بل يخرج الأمر برمته عن سيطرة المتحاورين.

فكم من أفكار كانت قوية وعميقة تصلح بداية لمشاريع مهمة لكنها مع الإجراءات الروتينية أو الإضافات والتحسينات التي ليس لها معنى أو كما يقال: (تكبير الموضوع) فقدت الفكرة حسها الأصلي وأخذت منحى آخر يحمل القليل من الفكرة الأصلية التي أصبحت مجرد فكرة منسية..!!

ولكي لا أضيع الفكرة الأساسية في مقالي هذا وتصبح الفكرة منسية، وقبل أن يقاطعني أحد قائلاً - تسمح لي أقاطعك - لا بد لنا أن نحتفظ بالفكرة مهما قاطعنا أحد ومهما كان حولنا ما يشتت أفكارنا، علينا أن نحرص على الاحتفاظ بالفكرة الأساسية ونبتعد عن أي متاهات تضيعها علينا حتى تصل المعلومة سهلة ويفهمها المستمع، وفي هذه الحالة قد تستطيع تغيير وجهة نظره، أو يتفهم وجهة نظرك.

فالوقت - اليوم - أغلى من كل سلعة وهدية، والثرثرة تقتل كل شيء، ولا تحيي صرصارا واحدا، وتشتيت الأفكار يضيع بعضها، إن لم يذهب بكلها، والتركيز هو أساس الاستيعاب، وحسن الإنصات من الصفات الإيجابية، وهو من شيم العظماء والأذكياء، أما مقاطعة المتحدث والانصراف بالحديث إلى مجرات جانبية، ليس من حسن الأدب، ولا من الصفات الايجابية، لذا وجب علينا أن نتخذ توليفة تمكننا من الاحتفاظ بزمام الموضوع الأساسي مهما تشعبت بنا النقاشات، كل حسب وضعه وبيئته وأجوائه.



i.sarami@al-jazirah.com.sa

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد