لا يزال المسلمون يكتوون بنار الفكر التكفيري، والذي يحتوي على منظومة معقدة من إشكالية العلاقة مع الآخر، أيا كان هذا الآخر، سواء كان مسلماً، أو غير مسلم. مما أدى إلى عداء أفضى إلى قتال
بين الدول، وبين الحركات المسلحة داخل الدول. إضافة إلى إشكالية الحاكمية، وهي تكفير من لم يحكم بغير ما أنزل الله. مما يؤكد على أن منهج التكفير، ما هو إلا صورة واحدة متكررة من الفكر الضال، كفكرة تكفير الحكام، وفكرة تكفير المجتمعات الإسلامية.
إن ظاهرة التكفير ظاهرة لها رموزها، وبيئتها العلمية والفكرية والفلسفية، وما تحاكيه من متغيرات ونوازل حلت بساحتها، كإتباعها الهوى، واعتساف النصوص، ونزعة الأنا المقدمة على الحق وفق منهجية خاطئة، بعيدة عن ضوابط الشرع. فالانحراف الفكري، هو: انحراف عن الوسطية إلى الإفراط والتفريط، والغلو والتقصير. ومواجهتها يستلزم تظافر المعالجة الفكرية مع المعالجة الأمنية، وتكاتف الجهود لاستئصال الفكر التفكيري، من خلال إبراز الفكر المعتدل بالحوار والحكمة والعقل والمنطق. إضافة إلى ضرورة ضبط الفتوى المتعلقة بدعم الأفكار الضالة، ومناقشتها والرد عليها. حتى لا نقع في تطرف مضاد، لنستطيع أن نقلل من معتنقي الفكر التفكيري، وعزلهم في زاوية ضيقة. ففي نهاية المطاف، لا يصح إلا الصحيح.
تصريح - الشيخ - عبد المحسن العبيكان - قبل أيام - بأن: «من ينتمي إلى هذه الفئة، ينتمي لفئة خارجة عن مذهب أهل الحق، الذين يتبنون الفكر التفكيري الخارج عن مذهب أهل الحق. وأن الانتماء لتنظيم القاعدة حرام». يذكرني بتصريح - سماحة الشيخ - عبد العزيز بن باز - رحمه الله -، في مجلة البحوث الإسلامية - العدد «50» -، حين ألقى حجراً من العيار الثقيل في الأمواج المتلاطمة - آنذاك -، قبل عقدين من الزمن، فوصف «أسامة بن لادن» من المفسدين في الأرض، وأنه يتحرى طرق الشر الفاسدة، لخروجه عن طاعة ولاة الأمر. ونصحه ومن معه «كمحمد المسعري وسعد الفقيه» وجميع من يسلك سبيلهم: أن يدعوا هذا الطريق الوخيم، وأن يتقوا، وأن يتوبوا إلى الله مما سلف منهم.كم نحن بحاجة إلى وسطية المنهج، والعقيدة، والعبادة، والفكر، والدعوة، تحقيقاً لقول الله - جل في علاه -: ?وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا? (143) سورة البقرة. فالوسطية، هي: إحدى الخصائص العامة للإسلام، النابع من أصوله، والمتمثلة في الكتاب والسنة. ولذا قال - الإمام - القرطبي - رحمه الله -: (ولما كان الوسط مجانبا للغلو والتقصير، كان محمودا، أي: أن هذه الأمة لم تغل غلو النصارى في أنبيائهم، ولا قصرت تقصير اليهود في أنبيائهم. وفي الحديث: (خير الأمور أوسطها). وعن علي - رضي الله عنه -: (عليكم بالنمط الأوسط، فإليه ينزل العالي، وإليه يرتفع النازل).
drsasq@gmail.com