Al Jazirah NewsPaper Friday  22/01/2010 G Issue 13630
الجمعة 07 صفر 1431   العدد  13630
 

نوازع
ابن أبي عامر وصاعد 2-2
د. محمد بن عبد الرحمن البشر

 

ثم أورد البيتين وأبياتاً أخرى بعدها؛ فطار ابن العريف بهذه القصيدة، وكتبها بخط مصري، ومداد أشقر؛ ليوهم المنصور بأنها لأحد شعراء مصر. ودخل بها مزهواً إلى المنصور ابن أبي عامر؛ فاشتد غيظ المنصور على صاعد، لكن صاعداً قد غادر فقال للحاضرين: سأمتحنه غداً، فإن فضحه الامتحان لم يبق له في البلاد مكان، ولن يبقى في موقع لي في سلطان، فلما أصبح الصبح جمع الندماء من شعراء وأدباء، ثم أرسل إلى صاعد فأحضر، فدخل بهم المنصور جميعاً إلى مجلس قد جعل فيه طبقاً عظيماً فيه سقائف مصنوعة من جميع النواوير، ووضع على السقائف لعباً من ياسمين في شكل الجواري، وتحت السقائف بركة ماء، ثم ألقى فيها اللآلئ مثل الحصباء، وفي البركة حية تسبح، فلما دخل صاعد رأى الطبق، قال له المنصور: إن هذا يوم إما أن تسعد فيه معنا، أو أن تشقى بالضد عندنا، لأنه قد زعم قوم أن كل ما تأتي به دعوى، وقد وقفت من ذلك على حقيقة، وهذا طبق أحضرته فصفه لي بجميع ما فيه، فقال صاعد بديهة قصيدة منها:

وشائع نور فاقها هامر الحياء

على حافتيها أبقر وزفازف

ولما تناهى الحسن منها تقابلت

عليها بأنواع الملاهي والوصائف

كمثل الظباء المستكنة كنه

تظللها بالياسمين السقائف

وأعجب منها أنهن نواظر

إلى بركة ظنت إليها الطرائف

حفاها اللآلئ سابح في عبابها

من الرقص مسموم الثعابين زاحف

... إلخ القصيدة.

فاستغرب الجميع له سرعة بديهته وجمال وصفه، ثم طلب منه المنصور وصف سفينة بجانبه بها جارية تجدف بمجاديف من ذهب، فوصف وأحسن الوصف، فأثابه المنصور ألف دينار، ومائة ثوب، وأجرى له كل شهر ثلاثين ديناراً.

وعاد ابن العريف بالخسران. والحديث في هذا يطول، لكن الشاهد من هذه القصة صورة ذلك الحاسد الذي لم يستطع أن يكبح جماح نفسه، ثم لما طلب منه المنصور الرقعة، لجأ إلى التزوير، حمانا الله وإياكم.

كم في هذا الكون من حساد النجاح يضرمون النار في أنفسهم بأيديهم، والمحسود ينام قرير العين مطمئن البال، يسعد بما منحه الله من فضله. جعلنا الله وإياكم محبين للخير، سعداء بما ينعم الله به على عباده، متذكرين أن الله قد فضل بعض الناس على بعض في الرزق.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد