كانت حجة المعارضة العراقية التي تحكم العراق اليوم عند مطالبتها بإسقاط نظام صدام حسين قبل غزو العراق كون الرجل طائفياً، وأنه صاحب مقابر جماعية (مع أن الواقع أثبت أنه غير طائفي، وأن من قُتل في عهده يقل بكثير عما قُتل بعد الغزو)؛
فصدام طائفي لكل من عارض حكمه من أي فئة كانت؛ بدليل أن المناصب المهمة في نظام حكمه كانت تشغل من كافة الطوائف سواء من السنة أو الشيعة أو الأكراد؛ فمثلاً منصب نائب رئيس الجمهورية في عهد صدام كان يشغله (طه ياسين رمضان) وهو كردي الذي أُعدم فيما بعد في عهد الحكيم الحالي، ومنصب رئيس المجلس الوطني (البرلمان) كان يشغله (سعدون حمودي) وهو شيعي، ومنصب نائب رئيس الوزراء كان يشغله (طارق عزيز) وهو مسيحي، ومنصب وزير الإعلام كان يشغله (محمود الصواف) وهو شيعي. أما عن المقابر الجماعية فلا أحد ينكر أن صدام يقتل المعارضين له من كافة الطوائف، بل من أقاربه، ودون محاكمة بادعاء أن ذلك يساعد على استقرار العراق ذي الطوائف والقوميات المتعددة.
فأين الطائفية في عهد صدام، واليوم والمعارضة السابقة تحكم العراق تجاوز عدد المهجرين العراقيين أربعة ملايين، وتم قتل الآلاف من العراقيين على أساس طائفي أو بسبب معارضتهم للغزو بما يزيد عما قتل في المقابر الجماعية، وحرم الكثير من حقوقهم الوطنية والسياسية؛ بدليل إبعاد المئات من المرشحين العراقيين للانتخابات القادمة من قوائم الترشيح بحجة علاقتهم بحزب البعث.
ومنذ مدة من الزمن سمعنا (نوري المالكي) رئيس الوزراء العراقي الذي ستنتهي ولايته قريباً ينتقد المملكة لعدم وضوح موقفها - حسب قوله - من العراق، ثم يثني في فترة لاحقة على علماء المملكة العربية السعودية لكونهم يحرمون قيام الشباب المتطرف بتفجير أنفسهم في العراق بحجة الجهاد، ثم نراه بعد حين ينتقد علماء المملكة لكونهم يحثون على التكفير، فأين المصداقية من ذلك؟
لقد ساندت المملكة العراق منذ اليوم الأول لغزوه، ومدت إليه يد العون، ولم تتدخل في شؤونه، وطالبت الآخرين بعدم التدخل في العراق، وطالبت بحماية سائر الطوائف العراقية وإدخالها في العملية السياسية وعدم احتكارها وقصرها على طائفة دون أخرى؛ لكي ينعم العراق وشعبه بالأمن والاستقرار، بل إن المملكة تمنت ألا يتم غزو العراق حفاظاً على أمنه واستقراره، فهل بعد ذلك وضوح أكثر من ذلك؟
إن سياسة الإقصاء لأسباب طائفية وعرقية وسياسة التشكيك الموجودة في العراق هي التي أدت إلى عملية التهجير الكبيرة، وهي التي أدت إلى عدم الاستقرار واستمرار العنف، والحل هو نبذ الطائفية ورفع شعار الوطنية بدلاً منها؛ وبالتالي استقطاب كافة الطوائف في عملية إدارة العراق، إضافة إلى تعزيز الثقة في المواطن العراقي والتعامل بالمودة والحسنى مع جيران العراق على قدم المساواة.
Asunaidi@mcs.gov.sa