خبر اختيار الدكتور محمد بديع مرشداً عاماً جديداً لجماعة الإخوان المسلمين ذكرني بواقعة حدثت منذ سنتين.. عندما توجهت بدعوة خاصة من الأستاذ محمد إحسان عبدالقدوس لحضور احتفال في منزله.. حضره عدد من قيادات الإخوان المعروفين.. يتقدمهم المرشد العام السابق الشيخ مهدي عاطف..وفي نهاية الحفل تحدث الدكتور عصام العريان موجهاً حديثه للمرشد العام «لم ننشد لكم أنشودة هابي برث دي تويو يا سماحة المرشد» ولفت الموضوع انتباهي فقلت موجهاً حديثي للشيخ مهدي عاطف «هذا يمكن أن يكون موضوعاً للكتابة بعنوان( عندما حضرت ميلاد المرشد العام للإخوان المسلمين) ،فرد الشيخ على الفور» حتزعل جماعتك علي».. وهذا الرد ينطوي على كثير من المعاني.. فأقوى جماعة إسلامية تخشى زعل جماعتنا.. وأكبر جماعة إسلامية تقيم لمرشدها العام احتفالاً بذكرى ميلاده. جماعة الإخوان المسملين في مصر هي أكبر جماعة إسلامية في العصر الحديث وامتدادها وتأثيرها شمل كل العالم الإسلامي تقريباً.. ولها دورها الفاعل في الشارع المصري رغم عدم الاعتراف بها كحزب.. بل هي تعتبر في القانون المصري والعديد من الأنظمة العربية والعالمية جماعة خارجة عن القانون.
هذه المساحة الكبيرة التي شغلها الإخوان المسلمين وهذا التأثير العميق في الفكر العام في كافة الأقطار العربية والإسلامية لم يخلق ولاء للحزب ولا لمركزه الرئيسي في مصر.. بل ظهرت فئات وطوائف أخرى من عباءة هذا الحزب في البلدان المختلفة وانقلبت عليه.. كما نسبت الدول كل الشرور الحاصلة في مجتمعاتها إلى الإخوان المسلمين.. مع هذا لم تكن ردة فعل الحزب على تلك الاتهامات بأكثر من رد أبي الهول وهو الصمت المطبق أو العتب المستتر. المتابع لأدبيات مفكري ومنظري حزب الإخوان المصري يجد أنهم يُعَرِّفون إسلامية حزبهم بأنها دين ودنيا.. وأن الحزب يدعو للحياة الدنيا كما يدعو للآخرة.. وليس كالأحزاب والجماعات الإسلامية الأخرى التي يهيمن عليها فكر الانغلاق الرافض للمعاصرة والحداثة.. ومع هذا لا يقوم الإخوان بالترويج لذلك أو إظهار أوجه الاختلاف مع تلك الجماعات الإسلامية الأخرى.. والسبب أنه على الرغم من أنهم في خنادق مختلفة إلا أنه يجمعهم كلهم غاية واحدة وهي السلطة التي لم يصل إليها سوى الإيرانيين فقط.. لذلك فإن بيان الخلاف والاختلاف بالنسبة لهم أمر مؤجل حتى تستتب الأمور بوصولهم إلى السلطة.. وحينئذ سوف تظهر تلك الاختلافات.
يروي الشيخ محمد متولي الشعراوي -رحمه الله- أنه في عام (1937م) كان يجتمع مساء كل يوم إلى صلاة الفجر مع بعض قيادات حزب الإخوان وعلى رأسهم الشيخ حسن البنا.. وقال إنه كتب بخط يده أول منشور للإخوان.. لكنه انفصل عن الحزب لاحقاً بعد كتابته قصيدة في مدح مصطفى النحاس وكان رئيساً للوزراء آنئذ.. فغضب عليه الشيخ حسن البنا.. وكان دفاع الشيخ الشعراوي أن النحاس باشا هو أقرب الساسة إلى منهج الله تعالى وهو إنسان طيب.. لكن إجابة الشيخ حسن البنا كانت (بل هو أعدى أعدائنا.. لأن له ركيزة في الشعب وهو الوحيد الذي يستطيع أن يضايقنا أما الباقون فنستطيع أن نبصق عليهم أجمعين).. ويضيف الشيخ الشعراوي «انفصلت عن الأخوان عندما أدركت أن هدفهم الوحيد هو الحكم». الرغبة في الوصول إلى كرسي الحكم هدف أسمى لكل الأحزاب السياسية.. وأخذ رجال الدين بنصيبهم من الدنيا أمر مشروع.. لكن غير المشروع أن تصبح السلطة هدفاً رئيسياً تسقط دونه القيم.. وأن ينقسم الناس إلى قوم نبصق عليهم.. وقوم نناصبهم العداء.