أبيات غزل، وأبيات حنين، وحزن، ومديح، وأبيات باسمك، وأخرى باسم من تحب، ونُكت، ودردشة وسخف «فقط أرسل رسالة فارغة»، والدقيقة بكذا ريال.. وتلاوة قرآنية، وأدعية وابتهالات بصوت ذلك الشيخ أو ذاك، فقط «أرسل رسالة فارغة» والدقيقة محسوبة بالريال.. «ولأول مرة صورة الكعبة المشرفة من الداخل», فقط «أرسل رسالة فارغة»..! وأخيراً وليس آخراً نغمة الجوال دعاء إلى الله تعالى، قد يصادف ساعة الاستجابة.. والمقابل كذلك رسالة فارغة وبضعة ريالات؟!
على هذا المثال ينحو اتجاه من اتجاهات استثمار التقنية لدينا، ووفقاً لهذا النموذج تُستثمر منجزات عالم الاتصال والتواصل الإلكتروني.
لا فوارق بين الرخيص والنفيس، أو بين الدين والدنيا، بين تفث الكلام وبين كلام الله، لا حدود ولا تمايزات بين ما نناجي به أنفسنا ومن حولنا، وما نتسلَّى به - من كل ما له وما ليس له قيمة - وبين ما نناجي به الله. هكذا تنعدم الفواصل وتتماهى المسافات، ويصبح كل شيء قابلاً للمتاجرة والمزايدة الرخيصة.
وهكذا يتجه البحث عن بضعة ريالات، ويتم توظيف دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤمنين بتحري ساعة الاستجابة وما تقتضيه من خنوع وخشوع وسلوك، إلى نغمة تعادل نغمة رنين أو مقاطع أغنية..!
هكذا يتم الترويج للكاسدين والخاسرين بصنيع مهين، لا ندري لِمَ لا تراقبه الأجهزة المعنية، وهكذا يمضي التواطؤ على هذه العادة وهذه التقاليد بلا ممانعة أو مناهضة؛ لتصبح مع الوقت مسلَّمة لا غضاضة فيها.
الغريب أن هذه المنكرات لا تجد ناهياً ولا رادعاً، كما أن الدَّافعين بها من السفهاء وأشباههم لا يجدون من يأخذ على أيديهم، فيما تتوالى على أسماعنا وأبصارنا خطب ومطويات وكتيبات.. تُنكر وتُحذِّر مما هو أدنى منها شأناً، وأخف سوءاً.
عندما تتساوى الأمثلة وتتعادل النماذج، ويصل الحد بالمتاجرين بالقرآن والعلاقة بالله تعالى إلى هذا المستوى من التعاطي المُسفّ. فإن ذلك مدعاة لأن تشيع المتاجرة بقيم الدين وبالضمائر والروحانيات؛ حتى تبلغ هذا الحد المفرط.
فالعلاقة بالله وأشكال ممارستها يجب أن تكون بمنأى عن عادات التواصل اليومي بين الناس, واستثمار التقنية لا يجب أن يسحب على كلام الله سبحانه وتعالى وفقاً لذلك المنحى الذي يجعل من آيات كتاب تتصدع منه الجبال خشية لله.. سلعة يتداولها السابلة مثلها مثل الأغاني والطُرف وسقط القول.
ولعل من اللائق بأهل العلم الشرعي والمتخصصين فيه أن يولوا هذا الجانب عنايتهم، ولاسيما من يلقى القبول منهم بين الناس. ولله الأمر من قبل ومن بعد.