Al Jazirah NewsPaper Tuesday  19/01/2010 G Issue 13627
الثلاثاء 04 صفر 1431   العدد  13627
 
قراءة في كتاب (أسامة بن لادن حيٌّ أم ميت؟)
المؤلف: ديفيد راي غريفين - عرض : تركي بن ناصر الموح

 

اكتسبت نظرية المؤامرة القائلة بوفاة بن لادن أبعاداً أكبر مع صدور كتاب في بريطانيا والولايات المتحدة، عنوانه (أسامة بن لادن حي أم ميت؟)، لمؤلفه ديفيد راي غريفين الأستاذ السابق في كلية كليرمونت لعلوم اللاهوت في كاليفورنيا؛ إذ يقول غريفين بعيداً في إيراد شواهد تذهب إلى تحقق وفاة بن لادن. ويتهم المؤلف الغرب بالتغطية على تلك (الحقيقة) لتحقيق مآرب سياسية. يقول غريفين إن زعيم (القاعدة) توفي بسبب مضاعفات فشل كلوي مزمن في 13 كانون الأول (ديسمبر) 2001 أثناء إقامته في كهوف تورا بورا قرب الحدود الأفغانية - الباكستانية، وأن بن لادن دفن في غضون 24 ساعة بعد وفاته طبقاً للتقاليد الإسلامية، في قبر بلا علامة أو شاهد.

ويتمسك غريفين بأن كل الشرائط المرئية والصوتية التي نسبت إلى بن لادن بعد تاريخ وفاته الذي ذكره اختلقها الغرب ليجعل العالم يعتقد بأن زعيم (القاعدة) ما زال على قيد الحياة. والهدف من ذلك - بحسب المؤلف - تعزيز التأييد للحرب على الإرهاب في العراق وأفغانستان.

وطبقاً لتحليل غريفين فإن الغرب أرسل آلته الحربية الضخمة لتصلي جبال تورا بورا بالقذائف والصواريخ والقنابل بعد أقل من شهر من وقوع الهجمات على واشنطن ونيويورك، بدعوى أن بن لادن يختبئ في تلك الجبال باعتباره (ضيفاً على أفغانستان). بيد أن ذلك التحرك العسكري تجاهل حقيقة حيوية تتمثل في أن بن لادن تمسك أربع مرات في أربعة بيانات أصدرها تنظيم (القاعدة) بأنه لم يقم بأي دور في هجمات العام 2001م.

ويشير المؤلف إلى أن بن لادن شدَّد في آخر تلك البيانات الأربعة الذي صدر في 28 أيلول (سبتمبر) 2001، بعد مضي أسبوعين على الهجمات، على القول: «لقد ذكرت سلفاً أنني لست مشاركاً (في الهجمات)، وأنني أبذل قصارى جهدي كمسلم لأتفادى الكذب. لم يكن لي علم، ولا أعتبر قتل الأبرياء من النساء والأطفال وبقية الناس عملاً يستحق التقدير».

ولاحظ المؤلف أن بن لادن سارع في غضون ساعات من بدء الغارات الأمريكية على أفغانستان في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2001 إلى تسريب أول شريط مرئي يظهر فيه بصفته زعيماً لتنظيم (القاعدة)، وكان يرتدي زياً عسكرياً ميدانياً وبجانبه بندقيته الرشاشة في مخبأ مضاء في شكل جيد. ومع أنه بدا شاحباً وضامراً، ووصف خصمه بوش بأنه (رأس الكفرة)، فقد حرص على أن يرفض تحمُّل مسؤولية الهجمات على الولايات المتحدة.

واعتبر بن لادن في شريطه المرئي ذاك أن الله تعالى هو الذي ضرب أمريكا في مواضعها الحساسة. وقال إنها مفعمة بالرعب من شمالها إلى جنوبها، ومن غربها إلى شرقها. وحمداً لله على ذلك.

وفي 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2001 أصدر بن لادن شريطه المرئي الثاني الذي تضمن هجوماً لفظياً حاداً على الولايات المتحدة، وحض المسلمين على التهليل للهجمات، (لكنه لم يقر في أي حال بتورطه في تلك الفظائع).

ويقول غريفين إنَّ بن لادن التزم الصمت بعد ذلك التاريخ إلى أن وافته المنية في 13 كانون الأول 2001م. بيد أن الإدارة الأمريكية أطلقت في اليوم نفسه شريطاً مرئياً جديداً منسوباً إلى زعيم (القاعدة) ناقض فيه كل أقواله السابقة، واعترف فيه بشكل مفاجئ بأنه مشارك في هجمات أيلول. وزعمت الإدارة أن القوات الأمريكية عثرت على الشريط في غارة دهمت فيها منزلاً في مدينة جلال أباد. وادعت أن ورقة ألصقت بالشريط تفيد بأنه سجل في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2001م.

ويظهر بن لادن (المزعوم) في ذلك الشريط وهو يحادث شيخاً مسنّاً زائراً ويقول له إنه لم يكن يعرف فحسب بفظائع أيلول مسبقاً، بل خطط بمفرده تفاصيلها الدقيقة.

وفي اليوم التالي صدرت صحيفة (واشنطن بوست) لتكتب أن الشريط المذكور (يقدم أكثر الأدلة إقناعاً بوجود صلة بين بن لادن وهجمات أيلول). وأدلى بوش في اليوم نفسه بتصريح قال فيه: «لكل هؤلاء الذين شاهدوا هذا الشريط سيتضح أنه ليس مذنباً فحسب بعمليات القتل التي لا يمكن تصديقها، بل إنه شخص بلا ضمير ولا روح». وفي لندن، قال مكتب رئيس الحكومة البريطانية «إن الشريط دليل قاطع على تورطه». وقال وزير الخارجية آنذاك جاك سترو: «ليس هناك شك في أن هذا الشريط أصلي. يمكن الناس أن يروا بن لادن يدلي بتلك الاعترافات عن ذنبه في تدبير الفظائع التي ارتكبت في 11 أيلول».

ويقول الكاتب إن ذلك الشريط (الافتراضي) يثير أسئلة أكثر مما يقدم أجوبة، ويبدأ بأن شهادة بن لادن في هذا الشريط تختلف كلياً عن شهاداته السابقة. كما أن هيئته تختلف تماماً عن بن لادن المعروف. يبدو في الشريط المشار إليه أشد بدانة، وتبدو لحيته سوداء، ولا يغلب عليها الشيب. وتحول لون بشرته الشاحب إلى داكن. كما أنه اكتسب بقدرة قادر (أنفاً) جديداً، وبدا أطيب صحة، بل إن بن لادن ظهر في هذا الشريط وهو يكتب مذكرة بيده اليمنى، مع أن المعروف عنه أنه (أعسر - أي يكتب بيده اليسرى).

وأضاف غريفين أن بن لادن الظاهر في الشريط يطلق تصريحات عن 11 سبتمبر لا يمكن أن يدلي بها بن لادن الحقيقي الذي يحمل درجة جامعية في الهندسة المدنية، والذي كوّن ثروته من العمل في الإنشاءات في منطقة الشرق الأوسط.

ويورد مثالاً لذلك بقول بن لادن إن الهجمات أسفرت عن مقتل عدد من الأشخاص أكبر مما كان يتوقع. ويضيف: «نظراً إلى خبرتي في هذا الحقل كنت أعتقد أن انفجار خزان وقود الطائرة سيذيب الهيكل الحديدي للمبنى فيها، الجزء الذي اصطدمت به الطائرة والطوابق التي تعلوه فقط. ذلك هو كل ما كنا نأمل فيه».

وذكر غريفين أن بن لادن الحقيقي لا يمكن أن يقول مثل هذا؛ لأنه بصفته مقاولاً يدرك أن برجي مركز التجارة العالميين في نيويورك تم إنشاء هيكليهما من الصلب وليس من الحديد. وزاد: «لا بد من أنه يعرف جيداً أن الصلب والحديد لا يبدآن الانصهار إلا بعد تعرضهما لحرارة تصل إلى 1800 درجة فهرنايت».

في معرض تمسك المؤلف بأن كل التسجيلات التي بثت باعتبارها صادرة عن بن لادن بعد العام 2001 مزيفة، يبيِّن أن تلك التسجيلات كانت تظهر في أوقات تستهدف تعزيز رئاسة بوش أو تعزيز صدقية ادعاءات حليفها الرئيسي في الحرب على الإرهاب، وهو رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير. وزاد أن «شريط الاعتراف» ظهر تحديداً بعدما عجز بوش وبلير عن إثبات مسؤولية بن لادن عن هجمات 2001، فيما كانا يسعيان سعياً دؤوباً للفوز بتأييد العالم الإسلامي في حملتهما المناوئة لما يسميانه (الإرهاب الإسلامي).

وأشار غريفين إلى أن الحكومات الغربية تستخدم تكنولوجيا متقدمة للغاية في المؤثرات الفيلمية لدمج الصور والصوت من التسجيلات السابقة لابن لادن.

وبالطبع، فإن كثيرين ممن لم تعجبهم (نظرية المؤامرة) التي يقول بها غريفين تساءلوا: لماذا لاذت (القاعدة) بالصمت حيال ذلك (الانتحال)؟ وماذا حدث حقاً لبن لادن (الحقيقي)؟ تقول صحيفة (ديلي ميل) البريطانية رداً على السؤال الأول إن (القاعدة) ربما آثرت الصمت لأنها كانت تريد بأي طريقة كسب معركتها الإعلامية في وجه التأييد المنحسر لتنظيمها، وأنها بحساباتها ستربح أكثر مما تخسر حين يسود لدى العامة اعتقاد بأن زعيمها لا يزال حياً يُرزق، وهو ما من شأنه زيادة معدلات الاستقطاب والتجنيد.

أما بالنسبة إلى السؤال المتعلق بما حدث لبن لادن، فإن ما تردد عن إصابته بالفشل الكلوي ووفاته شاع أول الأمر في 19 كانون الثاني 2002، أي بعد أربعة أشهر فحسب من وقوع هجمات نيويورك وواشنطن؛ إذ إن الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف أدلى بمقابلة لشبكة (سي إن إن) الأمريكية في ذلك التاريخ (19-1-2002)، قال فيها: «أعتقد صراحة الآن أنه (بن لادن) مات بسبب كونه مريضاً بالفشل الكلوي. إن صوره تدل على أنه ضعيف للغاية». ويذهب غريفين إلى أن بن لادن عولج من التهاب في المسالك البولية يرتبط عادة بمرض الفشل الكلوي في المستشفى الأمريكي في دبي، في تموز (يوليو) 2001، أي قبل نحو شهرين من وقوع هجمات أيلول. واشترى أثناء فترة معالجته جهازاً متحركاً لغسل الكلى على أن يسلم الجهاز إليه في أفغانستان. وينسب غريفين في كتابه إلى عدد من الأطباء المختصين أنه من المستحيل أن يكون بن لادن قد تمكن من استخدام ذلك الجهاز في تلك الظروف القاسية: هروب وقصف وثلوج لا تنقطع وعدم وجود تيار كهربائي؛ فهو كان بحاجة إلى البقاء في مكان مستقر بصحبة عدد من الأطباء والممرضين، وفي ظروف تمنع التلوث بالجراثيم، فضلاً عن أن جهاز غسل الكلى يحتاج إلى برنامج منتظم لصيانته وتنظيفه.

ولا ينسى غريفين أن يشير إلى أن صحيفة (الوفد) المصرية نشرت في 26 ديسمبر 2001 أن مسؤولاً رفيعاً في حركة طالبان الأفغانية أعلن أن أسامة بن لادن دفن في 13 كانون الأول. وجاء في النبأ أنه عانى تعقيدات خطيرة ومات موتاً طبيعياً هادئاً، ودُفن في تورا بورا بالقرب من الأموات من أفراد عائلته وأصدقائه من حركة (طالبان). وأضاف النبأ أنه طبقاً للتقاليد السلفية لم يوضع أي شاهد على قبره. ونسبت الصحيفة إلى مسؤول الحركة الذي أدلى بالمعلومات قوله إنه فُتح الكفن ونظر إلى بن لادن مسجى (فبدا شاحباً، لكنه هادئ، ومرتخٍ، وراضٍ).

ويعلق غريفين بأن نشر ذلك الخبر صادف مقدم أعياد الميلاد في واشنطن ولندن؛ ولذلك لم يلتفت إليه أحد. «ومنذ ذلك الوقت ظلت شرائط بن لادن تصدر بانتظام مثل حركة عقارب الساعة، فيما تنفق ملايين الدولارات ويراق أكبر قدر من الدماء في مطاردته».

لا شك أن ما ذكره المؤلف هو تحليل خلال ظهور بن لادن خلال وسائل الإعلام، وهي محاولة ليست سهلة، لكن ما يدعو إلى التفكير في هذا الموضوع أن أيمن الفايد، المستشار الإعلامي السابق والمؤرخ السياسي لتنظيم القاعدة، يتفق مع المؤلف في عدم بقاء بن لادن على قيد الحياة، بل إن أيمن الظواهري الرجل الثاني في التنظيم قُتل أيضاً مع زعيمه خلال العمليات الأمريكية بأفغانستان. ويبقى السؤال المطروح: هل بن لادن حي أم ميت؟



turki.mouh@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد