بعد المجزرة السياسية واللاأخلاقية التي ارتكبها (الغرباء في العراق) من الذين تدثروا بعباءة الاحتلال، ورضعوا العمالة من خلال قواعد تأسيس (دكاكينهم السياسية) التي (طوبت أحزاباً سياسية) آلت إليها الأوضاع فيما يسمى ب(العراق الجديد).
هؤلاء الذين أعدوا لمهمة إعادة العراق للوراء. البلد الذي كان يعول عليه العرب في أن يكون نموذجاً للدولة الرائدة، المتعددة الأعراق والمذاهب والمتنوع الثقافات.
القطر العربي الذي كان نموذجاً للبلد الذي سعى لإعادة الهيبة العربية من خلال بناء قوة عسكرية علمية وتصنيعية، ولهذا ومثلما نُصب فخ لمصر ودُمرت قوتها العسكرية والاقتصادية إبان فترة التوهج القومي، فاستدرج نظام الرئيس عبدالناصر إلى حرب 1967م والتي كشفت أن الانظمة التي تقوم وتبنى على شعارات عرضة للانهيار ما لم يحصن ذلك النظام بتكاتف أبنائه وأن عدم توظيف القدرات الكامنة لأفراد الشعب الذي كان مهمشاً، بل أكثر من ذلك متخوفاً منه وغير موثوق به، بدليل استهلاك جزء كبير من طاقة ووقت النظام بمراقبة الشعب، وهذا ما أوجد انفصاماً تاماً بين السلطة والجماهير، وهو ما ربَّى (قطط النظام) الذين أصبحوا مراكز قوى ضاغطة حتى على رأس النظام مع تجاهل مهامه الأساسية مثلما حصل في نكسة 1967م التي أظهرت تراخي وضياع الأمانة وعدم احترام المسؤولية الوطنية التي أنيطت بهم كرموز سياسية وطنية، وهو ما أوجد تباعداً بين الأنظمة العربية والشعب العربي في كل بلد عربي، وهذا ما دمر الشعور والانتماء القومي وأفشل التجربة القومية، وعندما حاول العراق استنهاض الروح القومية من خلال تقديم نموذج جديد، استدرج النظام العراقي للتورط في ارتكاب كارثة قومية عندما وقع في الفخ الأمريكي الذي حرَّضه على احتلال دولة الكويت من خلال إيماءات السفيرة الأمريكية آنذاك.
ذلك تاريخ وأحداث لا يمكن لأحد أن يتنكر منها أو ينفيها، ولكن الذي يجب التأكيد عليه أنه مثلما استهدفت النهضة المصرية، ومن بعدها النهضة العراقية، والهدف هو تدمير لأي انبعاث عربي، وأن أعداء العرب كانوا معدي العدة لإكمال تدمير النهضة العربية وبمساعدة من يحملون وثائق عربية رغم تعارض طموحاتهم وانتماءاتهم، فبعد نكسة 1967م حاول ممن أعدوا لاستثمار (الهزيمة العربية) بفرض واقع جديد يجعل العرب يسقطون الحاجز النفسي بالتعامل مع عدوهم القومي (إسرائيل) من خلال إجبار الحكومات العربية على توقيع اتفاقيات مع إسرائيل، وتشجيع المنظمات والمؤسسات العربية الاقتصادية والاجتماعية على التطبيع مع إسرائيل، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل فإذا كانت للحكومات ظروفها فإن للشعوب خياراتها.
وهذا هو نفس ما يجري في العراق حيث أجبرت الحكومات التي أنشئت في ظل الاحتلال الأمريكي على عقد اتفاقيات ومنح فرص استثمارية للحكومات التي احتلت جيوشها العراق، ووسعت تعاملها مع الدولة التي قدمت الدعم والعملاء لإنجاح الاحتلال. ومثلما أريد للشعب المصري أن يطبع مع أعداء العرب، جرت محاولات في العراق ليس للتطبيع مع الإيرانيين الذين استباحوا الشأن الداخلي العراقي، بل لتمكنيهم من السيطرة على مفاصل الدولة والمجتمع العراقي، ومثلما عارض وقاوم المصريون التطبيع يقاوم العراقيون الآن وبقوة محاولات الهيمنة والتمدد الإيراني، وقد ظهرت هيئة شعبية وطنية عراقية مهمتها اجتثاث أذرع ملالي طهران واقتلاع أشواك التدخل الإيراني.
كيف سيتم ذلك... ومن وراء هذا التحرك..؟!
هذا ما سنتناوله في مقالة أخرى.
jaser@al-jazirah.com.sa